أحداث غزّة “عزّ” عربيّ جديد هزّ اسرائيل وأبهج شمال لبنان!

إسراء ديب
إسراء ديب

كتبت العملية العسكرية النوعية التي نفذتها “كتائب عزّ الدّين القسام” ضدّ العدو الاسرائيلي منذ ساعات، عمراً جديداً للاجئين الفلسطينيين إلى لبنان عموماً، ولمخيميّ نهر البارد والبداوي في الشمال خصوصاً، حيث بدا واضحاً أنّ اللاجئين الذين يُواجهون أزمات مختلفة قائمة على الحرمان التراكمي الذي بدأ منذ النكبة عام 1948 حتّى يومنا هذا، قد تنفسوا الصعداء بعد حركة “مقاومة” لانتهاكات العدو وشملت إطلاق آلاف الصواريخ، وتسلّلاً واقتحام مستوطنات، إضافة إلى أسر جنود اسرائيليين ومستوطنين اقتيدوا إلى قطاع غزّة، الأمر الذي أعاد ثقة الفلسطينيين بأنفسهم وأخرجهم من حال الكبت والعزلة، كما أعاد أمامهم المشهد الفدائي الذي اعتادوه منذ أعوام.

يُمكن القول، إنّ توقيت هذه الضربة يُعدّ صادماً لكلّ الفئات المحلّية، العربية والدّولية الحليف منها والعدو، لكن لا يخفى على أحد أنّه توقيت مهمّ، إذْ سيُسجّل التاريخ هذه العملية التي يتضح أنّها تتزامن في توقيتها مع ذكرى حرب أكتوبر أو السادس من تشرين الأوّل التي هدفت الى استعادة أرض سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية المحتلة، وهي الحرب التي وصفت بـ”الأكثر دموية” بين المصريين والسوريين من جهة واسرائيل من جهة ثانية.

وتتشابه الضربتان في أمرين رئيسين: الأوّل أنّ حرب أكتوبر لم يكن يتوقّعها الاسرائيليون، وكذلك “طوفان الأقصى”. أمّا الأمر الثاني، فان حرب 1973 كانت قد غيّرت المعادلة العسكرية والنظرة الى القوى الأمنية واللوجيستية العربية وفق الخبراء، والأمر نفسه سيحصل عقب معركة حاسمة نفذت في ساعات وتتضمّن الأسلوب عينه كالمبارزة، وأسر الجنود مع التحدّي الواضح بنبرة مشدّدة، لكن يُضاف إليها عملية اقتحام المستوطنات ومراكز مختلفة، ما سجّل نقلة نوعية في مستوى الحرب بين الطرفين، وهذه المرّة من دون مؤازرة عسكرية عربية مع تراجع المواقف الرسمية منذ أعوام وانخفاض “الحدّية” العربية التي تتغافل أحياناً عن انتصارات عربية حدثت بالفعل.

وفي التفاصيل، عمّت الاحتفالات والمظاهرات المناصرة لعمليّة “طوفان الأقصى” التي أوقعت ضحايا ومئات الاصابات في صفوف الاسرائيليين، مخيميّ البارد والبداوي، حيث توحّد الفلسطينيون من النساء والرجال، الشيوخ والأطفال لنصرة وتأييد هذه الضربة المفاجئة التي دفعتهم إلى السير في الشوارع احتفالاً وابتهاجاً وهم يُردّدون: “فلسطين”، كما صدحت مآذن المساجد بالتكبيرات وسط أصوات الزغاريد، التصفيق والأناشيد الوطنية.

في الواقع، لم يبدِ أيّ من المحتفلين، خوفاً أو قلقاً من عواقب وخيمة ستنتجها “الرشقات” العسكرية التي صُوّبت على الاسرائيليين الذين تفنّنوا في انتهاك سيادة فلسطين وبعض الدول العربية، بحيث يُدرك اللاجئون تماماً أسلوب الردّ الذي حفظه الفلسطينيون عن ظهر قلب، والقائم على فرضية شنّ اسرائيل ضربات ومجازر للردّ على الصفعة لشلّ القدرات العسكرية التي أهانت قوّتها وصلابتها “المعنوية”.

ورأى عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين” أركان بدر أنّ “التظاهرات التي انطلقت من المخيّمات الفلسطينية تثمّن الفعل المقاوم وتأتي كردّ طبيعيّ على جرائم العدو الصهيونيّ ضدّ الشعب الفلسطيني ومقدّسات الوطن”. وقال في حديث لـ “لبنان الكبير”: “إنّها عملية مباغتة ونوعية واسعة، تُؤكّد أنّ المقاومة الفلسطينية كانت ولا تزال خياراً للردّ في أيّ مكان وزمان على مشاريع العدو كمشروع الاستيطان والتطبيع وكلّ ما ينتهك حقوق الشعب الفلسطيني، فهذا التوغل في أرضنا عبر التدنيس والاعدامات وغيرها من أشكال الانتهاكات لكلّ الحرمات التي لم يتوانَ العدو عن ارتكابها مع كلّ الموبقات والاعتداءات التراكمية، يستحقّ رداً على الذلّ أو الاستباحة الفاضحة التي كبّدت العدو خسائر فادحة بشرياً ومعنوياً تحت أقدام المقاومين، فهذا الجيش الذي قيل عنه انّه لا يُقهر، قُهر في لبنان، غزة والمستوطنات، وبالتالي إنّ هذه الحركة عليها أن تنتهي بوحدة الفلسطينيين والعرب مع تشكيل وحدة وطنية داخلية، والتخلّص من سياسات قديمة أثبتت فشلها”.

وعن حديث بعض القائمين على صفحات التواصل الاجتماعي عن تعذيب الفلسطينيين للأسرى، ردّ بدر الذي يُدرك خلفيات هذه الضربة وتداعياتها سياسياً، بأنّ الذلّ الذي تذوقه الفلسطينيون لن يذوقه آخرون، “فالجنود الأسرى سيكونون في أعناقنا، لكن عقب مجازر الاحتلال قد تحدث بعض التصرفات الفردية، وذلك لا يسمو الى خيار المقاومة الشريفة في فلسطين، فقتلنا لا يكون إلّا بشرف لأنّنا ضدّ ممارسات العدو، وسنقوم بعملية تبادل بيننا وبينهم لتبييض سجونهم من المعتقلين الفلسطينيين بصورة كاملة، ووفق معطيات فهناك عشرات الأسرى الصهاينة لدى عدد من الفصائل مثل القسام وغيرها وبالتأكيد ستعلن رسمياً عنها الفصائل، ريثما تتضح صورة المشهد حيث يبدو أنّ المعركة قد بدأت فعلياً ومؤشراتها تلفت إلى وجود صفعة مقابلة”، داعياً إلى تحرّكات واسعة دعماً لهذا الانجاز الذي انتفضت معه المخيمات الفلسطينية محلّياً.

أضاف: “منذ ثلاثة أعوام عشنا في أزمة اقتصادية خانقة ألمّت باللبنانيين وأرخت بظلالها السلبية الخطيرة على اللاجئين، لكن ما جرى اليوم أسعدنا، وانتفضت المخيّمات عن بكرة أبيها بتحرّكات شعبيّة وحواجز تشاركنا فيها مع اللبنانيين ابتهاجاً ضدّ تعسف العدو الذي ظهر عبر حكوماته المتعاقبة وأبرزها حكومة بنيامين نتنياهو”.

شمالاً، لم تقتصر هذه البهجة على المخيّمات فحسب، بل وزّع مواطنون في شوارع وأحياء طرابلسية عدّة (مثل أسواق طرابلس الداخلية، البالة…) حلوى وسكاكر على المواطنين للتشديد على تأييد الطرابلسيين للعمل الفدائي الذي وصفوه بـ “النصر القريب” ودفعهم أيضاً إلى إطلاق تكبيرات في المساجد أو رفع أصوات التلفزيونات في كلّ مكان وزاوية لمتابعة هذا الحدث الجلل. وكان الكثير من المواطنين عبّروا عن فرحتهم ببث مباشر أطلقته بعض صفحات مواقع التواصل لرصد التغيّرات التي أصابت الشارع الطرابلسيّ الذي هلّل لهذه الضربات التي يُؤكّدون أنّه طال انتظارها، في وقتٍ رفض آخرون التعبير عن البهجة بإطلاق الرصاص الطائش كما جرت العادة، وقال أحدهم: “يكفينا أن ندعو الله لينصرهم ويُثبت أقدامهم ليكونوا صامدين أمام حرب وشيكة وعدوّ مدمّر، ويا ليتنا كنّا معهم في خوضها”.

شارك المقال