“طوفان الأقصى” و”تصحّر بعبدا”

صلاح تقي الدين

لم يكن ينقص الفراغ الرئاسي المستمر في قصر بعبدا منذ سنة إلا بضعة أيام والعجز الواضح للفرقاء السياسيين وخصوصاً المعنيون بهذا الاستحقاق، إلا أن تطلق حركة “حماس” عمليتها العسكرية غير المسبوقة ضد الكيان الصهيوني، فتتحوّل الأنظار والاهتمامات المحلية والاقليمية والدولية نحو هذا التطور العسكري، ويبتعد الحديث السياسي عن الموضوع الأهم بالنسبة الى اللبنانيين وهو انتخاب رئيس للجمهورية.

صحيح أن لبنان ليس جزيرة معزولة وهو معني بأي تطور إقليمي وبالأخص في ما يتعلق بفلسطين المحتلة، غير أن التطورات الأخيرة تزيد من عمق الأزمة الرئاسية في لبنان نتيجة تفاعل العديد من القوى السياسية المحلية وعلى رأسها “حزب الله” وفريق الممانعة ككل، مع ما جرى وقد يجري مع العدو الاسرائيلي، ويصبح الشأن الرئيس بالتالي ثانوياً بالنسبة الى هذا الفريق.

ويقول مصدر نيابي معارض: “ان ما يشغل بال اللبنانيين اليوم هو كيفية تفاعل حزب الله مع الأحداث التي وقعت داخل كيان الاحتلال وعما إذا كان سيتورط في هذه الأزمة انطلاقاً من واقع الضربة الموجعة التي وجهتها حماس الى قوات الاحتلال الاسرائيلي فيفتح دعماً لفلسطين الداخل الجبهة الجنوبية ويقتحم المستوطنات الاسرائيلية الشمالية”.

ويشدّد المصدر في حديث لـ “لبنان الكبير” على عدم قدرة لبنان بأي شكل من الأشكال على تحمّل كلفة حرب بين “حزب الله” وإسرائيل، لكنه يعوّل على الاتصالات الدولية الجارية لمنع وقوع أي تصعيد خصوصاً وأن الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية قلّل من احتمالات وقوع أي مواجهة بين الحزب وإسرائيل.

لكن المصدر يشير إلى أن الضربة التي تلقتها إسرائيل وضعتها تحت ضغط كبير، وبالتالي على الحزب استدراك هذا الواقع وعدم القيام بأي تحرك استفزازي مثل موكب الدراجات النارية الذي سار بمحاذاة الخط الأزرق تعبيراً عن فرحته بما جرى، والذي استدعى قيام القوات الاسرائيلية بإطلاق النار عليه لابعاده عن الحدود.

وحول الشأن الرئاسي، يعرب المصدر عن اعتقاده أنه على الرغم من كل الجهود التي يبذلها الموفدون الاقليميون والدوليون على السواء من أجل تقريب وجهات النظر والوصول إلى حل يقضي بالتوافق على اسم ثالث، إلا أن المواقف المتشددة للثنائي الشيعي من جهة، والفريق المعارض الذي يقوده حزب “القوات اللبنانية” من جهة أخرى، خصوصاً رفض المعارضة الجلوس على طاولة حوار، يجعل من احتمال انتخاب رئيس للجمهورية بعيداً أو على الأقل “ليس في المدى المنظور”.

ويختم المصدر: “ان الحل الوحيد المتاح هو أن ينزل الجميع عن الشجرة، بمعنى أن السقوف العالية التي وضعها الفريقان الممانع والمعارض لن تنتج رئيساً لا اليوم ولا في المدى القريب، وبالتالي يجب أن يتواضع الجميع ويتواصلوا لكي يكون هناك إمكان للتوافق على شخص قادر على البدء بوضع مسار الحل للخروج من الأزمة المستفحلة بالشراكة مع فريق حكومي يملك رؤية واضحة اقتصادياً واجتماعياً وينفذ برنامجاً إصلاحياً حقيقياً لم يعد مطلوباً من الخارج فحسب بل أضحى ضرورة محلية أيضاً”.

وفي الاطار نفسه، كان أحد الوزراء السابقين يضع النقاط على الحروف ويحمّل نفسه، وهو من الطائفة المارونية الكريمة، ويحمّل قادة الموارنة جميعهم من دون استثناء مسؤولية الأزمة الرئاسية بسبب اختلافاتهم المزمنة وليس بحجة التعددية التي يحاولون الترويج لها.

ويقول الوزير السابق الذي يكثف من إطلالاته الاعلامية: “هل يعقل أن يكون الشيعة متفقين على رئيس مجلس النواب، والسنة متفقين على رئيس الحكومة وأن يبقى الموارنة مختلفين حول رئيس الجمهورية؟ في الواقع متى كان الموارنة متفقين حيال هذا الأمر؟”.

ويوضح متسائلاً: “هل كان كميل شمعون وبيار الجميل وريمون اده متفقين؟ لكنهم عند الاستحقاق الرئاسي كانوا على الأقل لا يعطلون جلسات الانتخاب بل ينزلون إلى المجلس لممارسة دورهم المفروض عليهم دستورياً لانتخاب من يتبوأ المنصب الأول في الجمهورية”.

وعند مواجهته بمقولة رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن المشكلة عند الموارنة، يقول: “معه كل الحق، الحق على الموارنة”، لكنه يستطرد أن “المجلس النيابي الحالي عندما يفشل على مدى 14 محاولة في انتخاب رئيس للجمهورية، أليس من المفترض أن يحلّ نفسه لكي تجرى انتخابات جديدة؟”.

في مقابل “طوفان الأقصى” الذي يعتبر انتصاراً معنوياً كبيراً بالنسبة الى الفلسطينيين، يواجه اللبنانيون “تصحّر بعبدا” ويعتبر ذلك انكساراً كبيراً للممارسة السياسية السليمة، وعاراً على معطلّي الانتخابات الرئاسية والذين إنما يفعلون ذلك تقديماً لمصالحهم الشخصية وليس انطلاقاً من وطنية جامعة.

شارك المقال