الحزب واسرائيل… سيناريو المواجهة عواقبه أسوأ من 2006

عبدالرحمن قنديل

دخل “حزب الله” على خط عملية “طوفان الأقصى” التي تشنها حركة “حماس” على اسرائيل منذ ثلاثة أيام، بحيث استهدف ثلاثة مواقع للجيش الاسرائيلي في رويسة العلم والرادار وزبدين داخل مزارع شبعا المحتلة، بينما ردّت اسرائيل بالمدفعية ودمرت خيمة كان أقامها الحزب منذ فترة في غمرة توتر لم يهدأ على حدود الجانبين، في وقت تتزايد المخاوف بصورة كبيرة من جر لبنان إلى حرب لا هوادة فيها مع إسرائيل، اثر توتر الأوضاع العسكرية على جانبي الحدود بعدما أوعز وزير الدفاع الاسرائيلي الجنرال يوآف غالانت الأحد بالاستعداد لاخلاء مستوطنات في شمال اسرائيل، وتحدثت وسائل اعلام اسرائيلية عن حدث أمني في المنطقة اشارت فيما بعد الى أنه عمل جنائي وإعادة تثبيت “حزب الله” خيمته على الحدود جنوباً.

لعلها المرة الأولى الأكثر جدية منذ تموز 2006 يقف فيها لبنان، انطلاقاً من حدوده الجنوبية، أمام خطر التورط في اتساع الحرب الفلسطينية – الاسرائيلية، ولو أن هذا الاحتمال لم ينتقل الى حيز الانزلاق الفعلي، اذ ان لبنان وقف منذ شيوع الأنباء المدوية الأولى عن عملية “طوفان الأقصى” التي حققت عبرها حركة “حماس” تطوراً غير مسبوق منذ خمسين عاماً في اختراق المنظومة الدفاعية والأمنية والاستخباراتية لاسرائيل وهزها، أمام معادلة بالغة الدقة وجهها الأول يتمثل في تضامن لبناني واسع لا يمكن تجاهله مع الفلسطينيين بدافع من الأسباب الموضوعية لهذه العملية، ولو اختلفت الاتجاهات الداخلية اللبنانية في شأن تقويم كل ظروفها والنظرة الى النتائج النهائية التي يمكن أن تسفر عنها الحرب. ولعلها المرة الأولى التي ينتقل فيها اللبنانييون من مرحلة الإطمئنان الى أن “حزب الله” لم ينجر إلى المواجهة مع إسرائيل بسبب إكتفائه بعد العام 2006 بردود محدودة إلى مخاوف جدية من دخول لبنان فعلياً في حرب مع اسرائيل، وسط حديث عن وحدة الساحات بين الدول التي تدور في الخط الممانع وتوسع رقعة المواجهة.

وتوازياً، أعلن مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة أن إسرائيل “طلبت من دول عدة إبلاغ حكومة لبنان أننا سنحملها مسؤولية أي هجوم لحزب الله”، وأتى هذا الاعلان وسط إرسال تعزيزات عسكرية إسرائيلية كبيرة على الحدود مع لبنان وانتشار للدبابات على السياج الحدودي، وسط مخاوف وسعي إلى عدم توسع الجبهات وخروجها لتمتد إلى سوريا ولبنان جنوباً. ولكن هذه المخاوف تبقى قائمة خصوصاً مع اعلان إسرائيل رسمياً أنها باتت في حالة حرب والاجراءات التي تلت هذا الاعلان، ولكن في حال خرج الطوفان عن السيطرة ودخل لبنان في فلكه وتدحرجت الأمور وأدت إلى دخول “حزب الله” في حرب مع إسرائيل وسط النكبات التي يعيشها لبنان منذ العام 2019 والمستمرة ذيولها إلى يومنا هذا فكيف سيكون حال لبنان؟ وهل سيكون السيناريو أسوأ من تموز 2006؟ وماذا لوعاد لبنان إلى العصر الحجري كما تكرر اسرائيل تهديدها للبنان؟

أكد العميد المتقاعد خليل الحلو في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “المؤشرات والمواقف تدل حتى اللحظة على أن لا ذهاب نحو هذا السيناريو لأن حزب الله من خلال المشاركة التي قام بها بقيت محصورة ضمن مزارع شبعا التي يعتبرها أرضاً لبنانية غير مشمولة في القرار الدولي 1701، واسرائيل على ما يبدو إحترمت قواعد الإشتباك بحيث إقتصرت المناوشات على قذيفة مقابل قذيفة وضرب مقابل ضرب وعدم سقوط قتلى”.

وأشار الحلو إلى “أننا لا نزال حتى اللحظة ضمن قواعد الاشتباك، ولكن الأهم هو ما جاء في تصريح وكيل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي في بيروت الذي قال: أدينا التحية إلى غزة من خلال مزارع شبعا”، معرباً عن إعتقاده أن هذا التصريح الذي أطلقه وكيل خامنئي “هدفه التأكيد أن إيران موجودة ولكن ضمن هذا النطاق ليس أكثر، الا أن هذه المعطيات لا تكفي للاطمئنان الى أننا بعيدون عن سيناريو الحرب أو الإجتياح”.

وقال: “في حال وقعت الحرب في لبنان بين إسرائيل وحزب الله هذا القرار لا يأخذه حزب الله بمفرده، بل تأخذه طهران لأن الحزب ليس متحمساً الآن للدخول في حرب من هذا النوع في هذه المرحلة بسبب الأزمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان وليس مثلما كانت عليه الأمور عام 2006 بحيث إقتصرت الخسائر فقط على 7 مليارات على الرغم من الضغط الأميركي آنذاك القائم على عدم استهداف اسرائيل البنى التحتية فلم يستهدفوا المرفأ بل مدرج المطار فقط حينها”.

أضاف الحلو: “هذه المرة لن يكون هناك رادع في حال وقعت المواجهة مثلما كنا نسمع من وعود ورسائل من الدول الغربية وإسرائيل بعودة لبنان إلى العصر الحجري، فإذا وقع سيناريو المواجهة هناك إحتمالان، الأول هو شعور طهران بأن غزة ستفلت من يدها وستكون غير قادرة على تحريكها، أما الثاني إذا وجدت إيران أن هناك ضرورة لتوريط حزب الله في مواجهة مع إسرائيل فستفعل ذلك من دون تردد، ولكن الأخطر من ذلك أننا لا نعلم ماذا قرر مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغر لأن العملية لم تقتصر على إختطاف جندي أو قتل ثلاثة إسرائيليين على الحدود، هناك أكثر من 700 قتيل في الصفوف الاسرائيلية والعدد كما نسمع مرشح لأن يصل إلى 1000 لأن الجثث لا تزال على الأرض وهناك مناطق لم يستطع الجيش الاسرائيلي دخولها، وهذا يدل على هزيمة واضحة لاسرائيل، لذلك الأخطر هو قيام إسرائيل بعمل على الحدود مع لبنان من دون أن يكون حزب الله هو المبادر فيه، أي إجتياح من دون مبرر”.

وشدد على وجوب “تفادي الوصول إلى هذا السيناريو لأن لبنان ليس باستطاعته تحمله، وهذه تبقى واجبات رئيس الحكومة ووزير الخارجية ووزير الدفاع والجيش من خلال الالتزام بالقرارات الدولية والابتعاد عن العنتريات”.

أما العميد المتقاعد أمين حطيط فاستبعد في حديث لـ “لبنان الكبير” دخول “حزب الله” في حرب مع إسرائيل حتى اللحظة، الا أنه رأى أن “لا أحد يستطيع التحكم بمسار الأمور، لذلك فإن إحتمال دخوله يبقى وارداً نظراً الى مفهوم وحدة الساحات التي تعني أن كل ساحة تقاتل بنفسها، فإما هي تسيطر على الوضع من دون الحاجة إلى التدخل من أحد، إنما تبقى المراقبة قائمة إذا أصبح هناك خوف على الساحة من أن تخرق فتتدخل جبهة أو أكثر لمساندتها”.

واعتبر حطيط أن “الوضع الفلسطيني لا يبدو حتى اللحظة مقلقاً، لذلك فان الاشتراك في المواجهة مستبعد، أما في حال الدخول فتبقى المسألة عائدة إلى رد الفعل الاسرائيلي لأن من يحدد مدى التدخل هو الاسرائيلي من خلال رد فعله، ومن الأمور المحتملة أن يعتمد على الجانب التدميري وذلك من خلال التهديدات التي كان يطلقها بعودة لبنان إلى العصر الحجري”.

وأكد أن “سيناريو المواجهة في حال وقع بين حزب الله وإسرائيل ستكون عواقبه أسوأ من العام 2006 ويكون الجانب التدميري الذي ستتضمنه المواجهة أسوأ، وحزب الله على جهوزيته العسكرية التامة تحسباً للمواجهة، ويبقى الجواب رهناً برد الفعل الاسرائيلي فإذا كان لتدمير غزة وإجتثاث المقاومة حينها يصبح تدخل حزب الله وحتى إيران غير مستبعد”.

شارك المقال