المخابرات الأميركية حلّت مكان القيادة العسكرية الاسرائيلية المنهارة؟

زياد سامي عيتاني

كشف موقع “أكسيوس” الأميركي أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو طلب تمويلاً أميركياً طارئاً لتعزيز نظام القبة الحديدية. ونقل “أكسيوس” عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى (لم يسمّه) قوله إن “نتنياهو يريد تمويلاً أميركياً طارئاً لشراء المزيد من الصواريخ الاعتراضية لنظام الدفاع الصاروخي للقبة الحديدية”. ورجح الموقع أن “إسرائيل ستشن هجوماً واسع النطاق في غزة، قد يستغرق عدة أسابيع، ومن المرجح أن يحتاج إلى مساعدة عسكرية أميركية إضافية، خصوصاً إذا توسعت الحرب إلى جبهات أخرى مثل لبنان”.

جاء ذلك، بعد أن أعلن البيت الأبيض في بيان أن “بايدن ونتنياهو ناقشا خلال اتصال هاتفي الجهود القائمة لضمان ألا يعتقد أعداء إسرائيل أنهم يستطيعون أو أن عليهم استغلال الوضع الراهن”. وأبلغ الرئيس الأميركي خلال الاتصال رئيس الوزراء الاسرائيلي أن مساعدة عسكرية أميركية إضافية في طريقها إلى إسرائيل. كذلك، أتى هذا الاعلان بعدما أكد مسؤول كبير في الادارة الأميركية أن مناقشات رفيعة المستوى تجري بين المسؤولين الأميركيين والاسرائيليين بشأن المساعدات العسكرية. وهذا ما دفع الرئيس جو بايدن الى إلقاء خطاب، تعهد فيه تقديم الدعم لاسرائيل، الحليف الرئيس لواشنطن في الشرق الأوسط، بعد الهجوم المباغت الذي شنته “حماس”.

وبالفعل، أوعز وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بتحريك مجموعة حاملة الطائرات الهجومية “جيرالد آر فورد” إضافة إلى صواريخ كروز، وأربع مدمرات صواريخ إلى المنطقة علاوة على إرسال مقاتلات جوية أميركية إلى شرق البحر المتوسط لإظهار دعم الحكومة الأميركية لاسرائيل. وأكد أوستن أن الولايات المتحدة ستزود إسرائيل على وجه السرعة بعتاد وموارد إضافية تشمل الذخائر، مشدداً على أن المساعدات الأميركية ستبدأ بالتحرك نحو إسرائيل الأحد (الماضي) ومن المتوقع أن تصل خلال أيام. كما يتوقع أن ترسل واشنطن المزيد من المساعدات العسكرية إلى إسرائيل في الأيام المقبلة، وفقاً للبيت الأبيض الذي أضاف أنه يعمل على ضمان ألا يستغل أعداء إسرائيل الموقف الراهن في تحقيق التفوق.

هذه الاستغاثة الاسرائيلية إستوقفت المحللين الاستراتيجيين، متسائلين هل ما يدور من قتال في غزة وحولها يستدعي ارسال حاملة طائرات كبيرة لدعم إسرائيل، لا سيما وأنها لا تحارب جيشاً نظامياً، وانما مجموعات محدودة من المقاتلين غير النظاميين، وهو ما لا يكفي كمبرر لارسال مثل هذه الحاملة العملاقة بقدراتها الهجومية الهائلة؟ غير أن هؤلاء المحللين أنفسهم أذهلتهم الوقائع الميدانية لعملية “حماس”، ما جعلهم يتساءلون: أين كانت قوات الدفاع الاسرائيلية أثناء تلك الساعات الطويلة، التي كان يتجول خلالها مقاتلو الحركة بإراداتهم حول المجتمعات القريبة من غزة؟

وما يزيد من الاستغراب لدى المحللين، أنه لطالما صنّفت القدرات العسكرية والاستخباراتية الاسرائيلية على أنها الأفضل في الشرق الأوسط وواحدة من الأفضل في العالم، بحيث أخفقت المخابرات الاسرائيلية في معرفة تفاصيل مخططات “حماس” لتنفيذ الهجوم، مرجحة أنها نفذت برنامج خداع طويل الأمد لاعطاء الانطباع بأنها غير قادرة أو غير راغبة في شن هجوم طموح. وفي الوقت نفسه، يستغرب المحللون بقاء الثغرات الموجودة على الحدود مفتوحة لفترة كافية للسماح بنقل الرهائن إلى غزة، قبل أن تُستخدم الدبابات في نهاية المطاف لاغلاقها.

ويرى المحللون أن الاجابة الكاملة حول معرفة الأسباب التي أدت إلى الإنهيار المروع للمنظومة العسكرية المتكاملة، ستستغرق وقتاً طويلاً، ولن تبدأ قبل توقف الأعمال الحربية، لكنهم يجزمون بأن الوقائع الميدانية أدت إلى فوضى وإرباك داخل مراكز القيادة والسيطرة الاسرائيلية، إنعكسا تخبطاً على صعيد القيادتين العسكرية والسياسية. وهذا الاخفاق المهين والمذل لاسرائيل، فاقم الخلافات والانقسامات السياسية الداخلية، وزاد من حجم الحملات على نتنياهو، الذي تم تحميله كامل المسؤولية، ما تسبب بتشتيت مركز القرار الاسرائيلي، لدرجة مخيفة ومقلقة على صعيد الكيان ككل، بحيث تتحدث المعلومات عن إنهيار شبه كامل في المنظومة السياسية والعسكرية والأمنية لنتنياهو، ما يجعله يعيش “سكرات الموت”، من دون أن يعود قادراً على إمتلاك زمام المبادرة، الأمر الذي أدى الى استنجاده بالرئيس الأميركي، للحد من خسائره الحتمية، ولتمكينه من إختيار القرار “الانتحاري” الأقل ألماً.

في هذا السياق، كُشف إزاء شبه الإنهيار الذي تعيشه القيادة الاسرائيلية “فاقدة التوازن”، أن الادارة الأميركية من خلال ضباط إستخبارات من رتب عالية، هي من باتت تمسك بالقرار داخل إسرائيل، وبالتالي فإن هؤلاء الضباط هم من يتولون إدارة العمليات العسكرية. وعليه، فإن إرسال حاملة الطائرات والقطع الحربية الموازية، إضافة الى ما يحمله من رسائل سياسية تحذيرية لدول المنطقة من مغبة الانزلاق الى حرب إقليمية، فانها في الدرجة الأولى تشكل حالة إطمئنان للكيان الصهيوني، ودعماً للقيادة العسكرية الاسرائيلية من خلال تعزيزها بالقادة والخبراء العسكريين، لاعادة الثقة بالمنظومة العسكرية التي ألحقت بها هزيمة زعزعت مرتكزاتها، حتى تتمكن من إكمال الحرب البالغة الخطورة والتعقيد، والتي لا يمكن التكهن بمجرياتها ومسارها وما ستبلغه من تطورات دراماتيكية على صعيد المنطقة ككل.

شارك المقال