النازحون الجنوبيون… الى أين؟

جورج حايك
جورج حايك

يعيش الجنوبيون حالة من القلق حيال ما يحدث على الحدود اللبنانية -الاسرائيلية بين “حزب الله” وبعض الفصائل الفلسطينية من جهة والجيش الاسرائيلي من جهة أخرى. وربما استعاد هؤلاء مشهد حرب تموز 2006، لذلك شهدت بعض القرى الحدودية حالات نزوح لافتة بإتجاه المناطق البعيدة عن الاشتباكات والأكثر أماناً.

لكن حتماً ثمة أمور تغيرت منذ العام 2006 وحتى اليوم، فالأوضاع الاقتصادية والمعيشية تتخبط في إنهيار خطير، والحالة السياسية تشهد انقساماً عمودياً بين فريقي الممانعة والمعارضة، وقد حصلت مواجهات عدة في الشارع بين “الحزب” وبعض المواطنين غير المؤيدين لخطه السياسي والعسكري في مناطق عدة مثل بيروت والجبل (7 أيار) وعين الرمانة وخلدة وشويا والكحالة وغيرها.

لكنّ هناك إجماعاً من القوى السياسية على أن النازحين الجنوبيين شيئ وخيارات “حزب الله” شيئ آخر، حتى ولو كانوا من بيئته الحاضنة، فالموضوع إنساني ولا يُمكن لأي منطقة في لبنان أن تغلق أبوابها أمام الجنوبيين، إذا حصلت حرب، مع ذلك لا يبدو الوضع مريحاً إذا حصل نزوح كثيف، لأن الأوضاع الاقتصادية ضاغطة والوضع اللبناني ليس مهيأ للحرب.

أما السؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك إيعاز من “الحزب” الى أهالي الجنوب كي يلجأوا إلى مناطق أكثر أماناً بسبب قرار إتخذ لخوض الحرب؟

ترى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غادة أيوب أن لا معطيات إذا كان “الحزب” أعطى توجيهاته لأهالي الجنوب كي يبتعدوا عن خطوط التماس، إلا أن ما هو واضح أن أهالي القرى الحدودية وحدهم نزحوا إلى بعض القرى الجنوبية الأكثر أماناً وبيروت، والسبب هو الخوف من التصعيد العسكري، علماً أن قوات الطوارئ الدولية لا تزال في مقراتها ومواقعها ولم تهرب كما قيل، ونحن استطلعنا الأمر من مسؤولة في الأمم المتحدة بأن هذه القوات لن تغادر، وهذا مؤشر الى أن الأوضاع مضبوطة حتى الآن.

أما عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قبلان قبلان، فيؤكد عدم حصول حركة نزوح كثيفة، وحتى بعض من نزحوا كانوا من سكّان القرى الحدودية، لم يغادروا محافظة الجنوب، بل قصدوا صور والنبطية وغيرهما، وخصوصاً أن المناوشات تحصل بالمدفعية التي لا تصل إلى عمق الجنوب. ويلفت إلى أن العدو الاسرائيلي عندما يحصل تصعيد يدعو مواطنيه إلى النزول إلى الملاجئ، وهو مجهّز لهذه الأوضاع، أما في لبنان وعلى الرغم من المواجهات الدائمة في الجنوب، فلم تجهّز الدولة ملاجئ آمنة!

قد تكون حركة النزوح محدودة حتى الآن، لكن هذا يتوقف على مدى التصعيد الذي قد يحصل، وإذا إتخذ “الحزب” قراراً بخوض الحرب، هذا ما توافق عليه أيوب، وتشير إلى أن السؤال الجوهري هنا: هل يدخل “حزب الله” في هذه الحرب أم لن يدخل؟ وهل سيجرّ لبنان ويورطه في حرب جديدة؟ الجواب: ليست هناك معطيات بعد، إلا أننا نفهم من بياناته أنه يتجنّب الدخول في هذه الحرب وهو ملتزم بقواعد الاشتباك، والعمليات التي يقوم بها على الحدود لإثبات الوجود فقط.

نسأل: ماذا عن القرار الايراني؟ ترد: “هنا لا بد من طرح أسئلة أخرى: هل تكتفي ايران بأن تكون معادلة وحدة الساحات على هذا النحو أي بالشعارات؟ وهل يمكن لحركة حماس أن تواجه وحدها؟ في المقابل، نجحت حماس في الضربة الأولى وحققت إنجازاً عسكرياً ما أفقد اسرائيل صوابها بعدما تبين فشلها العسكري غير المسبوق، فهل ستكتفي بالرد ضمن هذا النطاق؟ وإذا قررت اجتياح غزة، فهل يكتفي محور الممانعة بمقاومة حماس لها؟ كل هذه الأمور ستظهر قريباً”.

أما قبلان فيعتبر أن لا أحد يرغب في الحرب، إلا أن ما نلاحظه أن اسرائيل تحاول استدراج لبنان إلى الحرب، و”حزب الله” يحاول أن يتجنّب ذلك، بدليل أن شهداء سقطوا له ولم يرد مباشرة، ولكن لا يمكن لأحد أن لا يدافع عن نفسه. ما أراه أن الاسرائيلي يحاول أن يرفع معنوياته لكن لم تخرج الأمور من ضمن قواعد الاشتباك، مع ذلك، لا أحد يضمن بقاء الأمور على هذا النحو وخصوصاً أن الاسرائيلي فقد أعصابه وتوازنه، والآن يعتبر أن حاملة الطائرات الأميركية ستحميه. نحن حريصون على أن لا تتوسّع الأمور إلا أن الاسرائيلي لا يمكنه أن يستمر في الاعتداء على الجنوب والشعب اللبناني ونحن ساكتون، علماً أن ما يحصل في فلسطين مرعب ومخيف، ومبادئنا وأخلاقنا وقيمنا تدفعنا إلى التضامن بكل الوسائل مع أهل غزة.

ونسأل قبلان: هل هناك خطة لاجلاء الجنوبيين في حال حصلت حرب؟ يرد: “عادة الناس لا تلتزم بأي خطة أو مشروع إذا حصل أي تصعيد كبير، إنما غريزتها تدفعها إلى أن تقصد المناطق الآمنة. لكن حزب الله وحركة أمل لديهما مكاتب متخصصة في هذا المجال، كذلك هناك لجان متخصصة بحالة الطوارئ، لا بد من أن تلعب دورها في تنظيم الأمور وخصوصاً ان لديها تجارب في هذا الاطار”.

لكن الأمور ليست بهذه السهولة لأن الوضع الاقتصادي يضع عبئاً على الجميع، وربما لا يمكن للمناطق اللبنانية الأخرى أن تستوعب اقتصادياً كماً هائلاً من النازحين. وتوضح أيوب أن الظروف اليوم لا تشبه ظروف حرب 2006، حين كان المواطنون في المناطق الأخرى قادرين اقتصادياً على تحمّل الأعباء، أما اليوم فلا أحد قادر على أن يستقبل أحداً، وخصوصاً أن ليست هناك خطة طوارئ لدى الدولة اللبنانية. نأمل أن تتخذ الحكومة أي قرار ينظّم هذه الأمور بدلاً من ترك الشعب لمصيره.

ونلفت نظر قبلان الى أن التوتر بين اللبنانيين وبيئة “حزب الله” الجنوبية قد تؤدي إلى مشكلات، فيعلق: “أبناء الجنوب وطنيون، لا يرغبون في المشكلات، ومعظم الذين نزحوا خلال حرب 2006 خارج إطار المدارس والأماكن العامة، استأجر بيوتاً ودفع أمواله مقابل طعامه وحاجاته. نحن نرى أن إبن الجنوب يتمتع بالعنفوان والكرامة، وقادر على التحمّل، وأنا لا أشك بوطنية كل اللبنانيين في المناطق الأخرى، ونظن أن هناك شعوراً وطنياً خلال أي صعوبات يمر بها الوطن، والجميع سيضع الخلافات السياسية جانباً ولا أحد قادر على أن يكون إلا لبنانياً في مثل هذه الحالة”.

لكن الواقع أن هناك انقساماً عمودياً في البلد وهناك بعض القوى السياسية التي تحمّل “حزب الله” مسؤولية أي حرب يمكن أن تحصل وتسبب النزوح خدمة لايران ومعادلة وحدة الساحات. يعتبر قبلان أن الوقت في الظروف الحالية ليس مناسباً لهذا الكلام المثير للحساسيات، وعندما يزول الخطر يمكننا أن نختلف سياسياً قدر ما يشاؤون، وليس منصفاً إتهام “حزب الله” بأنه مسؤول عن أي حرب لأن الواقع يشير الى أن اسرائيل تستهدف لبنان والمنطقة و”الحزب” يضبط نفسه، فلماذا نجلد أنفسنا ونذهب إلى انقسامات عمودية في هذه الظروف؟

وتعود أيوب إلى مسألة نزوح الجنوبيين، وتؤكد أنها لا تحمّلهم مسؤولية أخطاء “الحزب”، ولا شيئ اسمه جنوب وشمال وبيروت عندما يحصل نزوح طارئ في حالات الحرب، نحن نتضامن مع كل اللبنانيين ولا نفرّق بينهم، سواء كانوا جنوبيين أو غيرهم.

وتتطرق إلى موضوع أخطر على هامش النزوح الجنوبي، وهو نزوح داخلي للسوريين المقيمين في بعض البلدات والقرى السنيّة والشيعية الساخنة بإتجاه بعض القرى الجنوبية المسيحية على نحو مشبوه وكأن هناك جهة معينة تحرّضهم على ذلك، علماً أن البلدات والقرى المسيحية في الجنوب لا تتحمّل ذلك، وماذا سيحصل إذا هرب المسيحيون اللبنانيون من القصف في حال الحرب؟ وهل سيجدون بيوتهم مصادرة من النازحين السوريين وخصوصاً أن ليست هناك دولة تسهر على الأمن والأمان وتحمي البيوت من الاعتداءات إضافة إلى عجز البلديات؟

هناك خوف من تغيّر ديموغرافي في هذه المناطق، وفق أيوب، وهذا خطر حقيقي على الوجود المسيحي، وهو ما يحصل في دبل ورميش الذي وقف رئيس بلديتها بالمرصاد. وهل بات المسيحيون مضطرين إلى الأمن الذاتي في هذه البلدات؟ مشكلة النازحين السوريين قنبلة موقوتة في كل الظروف التي يمر فيها لبنان: سلماً أو حرباً.

شارك المقال