فشل الجدار “الفريد من نوعه في العالم”

زياد سامي عيتاني

فجر السبت السابع من تشرين الأول 2023، هاجم مقاتلو “حماس” معبر بيت حانون (إيريز) الحدودي وأطلقوا الصواريخ على الجدار الاسمنتي، ثم على السياج الحديدي، الذي يبلغ ارتفاعه عدة أمتار لفتح ممرات. وفي مكان آخر فتحت جرافة ممراً، ليعبر مقاتلون من “كتائب عز الدين القسام” بأسلحة هجومية من الحاجز بالعشرات وعلى متن طائرات شراعية، وذلك بالتزامن مع إطلاق أكثر من 5 آلاف صاروخ على الأراضي الاسرائيلية أربكت القبة الحديدية بعددها.

هذا الهجوم المباغت والنوعي، حطم الجدار الحديدي الاسمنتي، بشكل ألحق هزيمة موجعة بالاحتلال، الذي أخفقت تحصيناته المنيعة في منع عبور المقاومين الفلسطينيين إلى عمق المستوطنات في “غلاف غزة”. وكان يفترض أن يكون هذا “الجدار الحديدي” غير قابل للعبور، بعدما إستغرقت أعمال البناء فيه ثلاث سنوات، وافتتح هذا الحصن عام 2021، وقدمته سلطات الاحتلال على أنه “فريد من نوعه في العالم”.

يتألف التحصين الذي يبلغ طوله 65 كيلومتراً من جدار وسياج، وتطلب بناؤه 140 ألف طن من الحديد والصلب، وهو ممول بأكثر من مليار دولار، ويعد بمثابة خلاصة للإبداع التكنولوجي، ومليء بالرادارات وأجهزة الاستشعار تصل الى أعماق الأرض. وجهّز السور بقسم خرساني تحت الأرض، يبلغ سمكه متراً واحداً، وربما يبلغ عمقه عدة عشرات من الأمتار. وكان الهدف المعلن منع أي محاولة اقتحام عن طريق حفر الأنفاق من قطاع غزة، كما جهز بأنظمة أسلحة يتم التحكم فيها عن بعد، بالاضافة إلى أنظمة رادار، بحيث قال عنه رئيس الأركان الاسرائيلي حينها الجنرال أفيف كوخافي “هذا الحاجز جزء من الجدار الحديدي لسياستنا الدفاعية على الأرض وفي الجو وفي البحر وعموماً”. وأكد وزير الدفاع الاسرائيلي السابق بيني غانتس عام 2021 أن هذا الجدار “مشروع مبتكر ومتقدم تكنولوجياً، سيمنح المواطنين الاسرائيليين شعوراً بالأمان”، ويحتوي على جزء في البحر “متصل بنظام أسلحة يتم التحكم فيه عن بعد”.

يشار الى أن بناء الجدار تقرر بعد حرب 2014 التي استمرت 52 يوماً، واستشهد فيها أكثر من 2100 فلسطيني وقتل 73 إسرائيلياً، وعاش سكان المناطق المتاخمة لغزة في خوف من الأنفاق التي يحفرها مقاتلو حركة “حماس” تحت الحدود، ونفذوا غارات قاتلة من خلالها في عدة مناسبات، وشنت إسرائيل عملية “الجرف الصامد” لتدمير أكثر من 32 نفقاً، وفقاً للمزاعم الاسرائيلية.

وخلال معركة “سيف القدس” في أيار 2021، التي سمّاها الاحتلال “عملية حارس الأسوار”، وثقت حركتا “حماس” و”الجهاد الاسلامي” نجاحهما في تتنفيذ عمليات استهداف لحافلات عسكرية إسرائيلية بصواريخ وقذائف متوسطة المدى، متجاوزة عقبة التحصينات الاسرائيلية في الجهتين الشرقية والشمالية للقطاع.

وهذا الجدار ليس اختراعاً جديداً، فاسرائيل أصبحت “دولة الجدران” التي تحيط بها في كل مكان ومن كل جانب، خشية لحظة “الانفجار الفلسطيني”. وقد بدا هذا الجدار هشاً للغاية أمام مقاتلي “حماس”، الذين عبروا الحدود فجر السبت الماضي إلى داخل إسرائيل في عملية غير مسبوقة في التاريخ. فقادة العدو الاسرائيلي الذين ظنوا أنهم وجدوا الحل من خلال إنشاء حدود محكمة الاغلاق بجدار وأسيجة شائكة، “اكتشفوا أنه في الواقع خط ماجينو” (الخط الذي بنته فرنسا بعيد الحرب العالمية الأولى للتصدي لأي هجوم ألماني، لكنه لم يجدِ نفعاً بل أدى إلى تراخي فرنسا في تطوير قواتها المدرعة والميكانيكية).

على الرغم من التطوير والابتكارات للمنظومات الدفاعية الاسرائيلية، فان الجدران والعوائق، والوقائع التي فرضها الجيش على طول السياج الأمني مع غزة، فقدت فاعليتها وفشلت فشلاً ذريعاً في أعقاب عملية “طواف القدس”.

شارك المقال