من هنا إلى أين؟

الراجح
الراجح

قبل إطلاق حركة “حماس” عمليّتها النّوعية التي سيكتُب عنها الحاضر والتاريخ كثيراً، وبكثير من الايجابيّة، من النّاحية العسكريّة (ولست أدري ماذا سيكتب) ومن النّاحية الانسانيّة، وكلّنا يسَلِّم بأنّ الفلسطينيّين في قطاع غزّة ليس لديهم شيئ يخسرونه على الاطلاق، حتّى وإن طالت الحرب حياة سكان القطاع المحاصر الفقير، حيث البؤس والحرمان أهم سمات الحياة، ناهيك عن الأسرى في سجون العدو، والأهم عمليّة تهويد القدس.

هذا وحده كافٍ ليفهم الجميع أهداف الهجوم الأخير ودوافعه والهادف إلى قلب معادلة الخسارة الدّائمة من حياة الذّل إلى ربح مهما كان ثمنه من تضحيات الحرب والّتي لم يعد يعني سكان القطاع مداها.

من هنا، فإنّ مواجهة أزمة الشّرق الأوسط هي مواجهة لمشكلة مختلفة تماماً عن أيّة مشكلة أخرى في هذا العالم. لذلك كان كل ما قامت به الدّول المعنيّة بأزمة الشّرق الأوسط من محاولات لإيجاد الحلول هو بمثابة عمليّات جراحيّة عاديّة هدفها زرع أعضاء – وهذا مستحيل!

فالمعنيّون أرادوا أن يقطِّعوا ويوصِّلوا ويلحِّموا في منطقةٍ جسماً غريباً عنها فرفضه الجسم الأصلي وسيبقى يرفضه كونه عضواً غريباً عن جسم الأمّة.

إلى أين تسير بنا الحرب الحاليّة؟ وإلى أين نسير بها؟

هذه الأسئلة تبدو للوهلة الأولى تطاولاً على الغيب؛ لكنّي سأضرب مثلَ أحوال الطّقس من حولنا اليوم وغداً وبعد غد ولمدة أسبوع. وبالطبع يمكننا ذلك بفضل علوم الأرصاد الجويّة وما نتلقّاه من معلومات في النطاق الجوّي المؤثّر علينا من درجات الحرارة والبرودة وبؤر الانخفاض وكتل الضغط المتحرّكة واتّجاهات الرّياح وسرعتها السّائدة، أضف إلى مجموعات من الحسابات السّريعة الّتي يجريها الخبراء لتصبح خريطة الطقس المُنتَظر غداً أو بعد غد أمامهم واضحة مقروءة.

ذلك فعلاً ما يحدث في الطقس… وفي السّياسة أيضاً! أي أنّنا نستطيع أن نستقرئ المحتمل سياسيّاً بالطريقة نفسها الّتي نستطيع بها أن نستقرئ الطقس.

في السّياسة – كما في الطقس – فإن العوامل المؤثّرة في أحداث الغد يمكن رصدها اليوم، كما يمكن متابعة حركتها المتّجهة إلينا من دون أن يكون في ذلك تطاول على الغيب. ففي حسابات الأرصاد الجويّة، وبعد إجراء حساباتهم، يتحفّظ الخبراء دائماً عند تنبؤهم بمفاجأة قد تقع في اللّحظة الأخيرة. ولكن المفاجآت لا تقع كل يوم.

وفي حسابات الأرصاد السّياسيّة، فإن الّذين يتعرّضون لها عليهم أن يتحفّظوا أيضاً لمفاجأة قد تقع في اللّحظة الأخيرة. ولكن المفاجآت في السّياسة ليست قانون كل يوم.

لا بدّ من الحذر من لعبة كرة الطاولة الآخذة مداها في الجنوب اليوم، لأن الدخول في حرب مع اسرائيل لا يبرّره دخول “حماس” فيها، لأنّ أسباب البؤس والشّقاء والحرمان في القطاع هي المُحتَل لفلسطين والمحاصِر لغزّة. أمّا نحن، ففقرنا وبؤسنا وحرماننا وتدهور كل أحوالنا هو المنظومة الحاكمة وليس عدوّنا اسرائيل… للأسف.

لذا أرى أنّ من مصلحة العدو الاسرائيلي استدراجنا الى الحرب كي يظهر أمام العالم كلّه أنه المعتدى عليه، فتكون الحرب إذا قامت بين لبنان واسرائيل خدمة لاسرائيل وليس لغزّة!

شارك المقال