عصام عبد الله… شهيد الحرية والقتل العمد

آية المصري
آية المصري

يدفع الصحافي دائماً كلفة تغطيته الحروب، وتلبية هذا الواجب الانساني والعملي والميداني، وقد لا يعود الى دياره بسبب تعرضه للقتل والاستهداف أو لإصابات خطيرة قد تصل الى فقدانه نظره أو سمعه أو أحد أطرافه، فكثيرون هم الصحافيون الذين بُترت أقدامهم أمام أعينهم، ومنهم من عاش تجربة إستشهاد زميل له في البقعة نفسها أثناء التغطية الميدانية، وآخرون كانوا سداً منيعاً في وجه رصاص الغدر، فيما غيرهم قتلوا نتيجة قولهم الحقيقة. إنها مهنة المتاعب والموت، فما بالك اذا كُنتَ تمارسها في لبنان، بين كم الأفواه والخوف من حرية الرأي والتعبير.

صحيح أن الصحافي الذي يستشهد في الميدان أثناء تغطيته الحروب يبقى “حرقة” في قلوب أهله وزملائه وأصدقائه لكنه في المقابل يعطي القوة لفريق العمل من أجل الاستمرار في المهمة والاصرار على إيصال الصوت عالياً، والكشف عن حقيقة ما يجري على أرض الواقع، وهذا ما حصل يوم الجمعة مع الصحافي عصام عبد الله الذي استشهد وهو يقوم بعمله الصحافي في بلدة علما الشعب في جنوب لبنان لتغطية التصعيد على جانبي الخط الأزرق، حين استهدف العدو الاسرائيلي فريق الاعلاميين، ما أدى الى إحتراق سيارتهم بصورة كاملة، وسقوطه شهيداً وإصابة 5 صحافيين آخرين. وودع لبنان أمس الشهيد عبد الله الى مثواه الأخير وسط حشد كبير. فالى متى ستبقى الصحافة تدفع هذه الأثمان الموجعة في الحروب؟

رأى النائب مروان حمادة في حديث عبر “لبنان الكبير” أن “الصحافة وكل الرأي الحر مستهدف من الطُغاة في الداخل والخارج، على جبهات القتال وفي الاغتيالات وفي القمع والسجون، فمن احدى مشقات المهنة الصحافية تلك النابعة من الدفاع عن الحرية، حرية وصف الواقع، التعليق على الواقع وتحليل الأخبار وإبداء الرأي، ومن الواضح أن استهداف الصحافيين حتى على حلبة غير مشتعلة هي طريقة لترهيب بقية الصحافيين ليس بقتلهم وحسب، بل بتشويههم أو جرحهم لكي يكونوا نوعاً من رادع لكل من يتصدى للعدوان ويصفه ويفضح المعتدي”.

وقال حمادة: “الله يرحم الصحافي الشهيد عصام عبد الله، الذي ارتقى الى جنة الصحافيين وهو في بداية عمله، والجميع يعلرف عصام كزميل وكصديق، ونحن فقدنا خلال الحرب الأهلية أيضاً زملاء أعزاء جداً ومن أفضل الصحافيين. فالصحافي يكون وكأنه مرشح شهيد دائم على مذبح الحرية”.

أضاف: “من الأمور البديهية التي عايشناها جميعاً في مهنتنا الصحافية هي مقاربة ومزاملة شهداء ومساجين ومخطوفين، لا ننسى من خطف ولم يعد، ومن سقط في جبهات القتال أو تحت رصاص القتلى، وهنا الفظاعة اليوم أن هذا الصحافي الشهيد عصام عبد الله ورفاقه كانوا يغطون منطقة داخل لبنان، قرية آمنة، ومشاهد ليست قتالية بقدر ما هي تهويل وتبادل رشقات في اطار ما يسمى بقواعد الاشتباك. ومن خارج هذه القواعد استهداف مدني يمارس مهنته بكل سلام، مرتدياً قبعة مكتوب عليها صحافة، وقميصاً مكتوب عليه صحافة ولا يحمل في يديه أكثر من آلة تصوير”.

ورأى حمادة أن “استهداف السيارة ومن فيها هو جريمة موصوفة تشبه تلك التي نالت وطالت زملاء لهم في فلسطين على مدى سنوات، وفي لبنان وعلى جبهات قتال في اليمن والسودان وليبيا وفي العالم كله، الصحافي هو الشهيد المقدام”.

ووصف الاعلامي سامي كليب مهنة الصحافة بأنها “مهنة المتاعب والموت والمعرفة والمتعة”، قائلاً: “بالنسبة الى الموت، الاعلاميون يعرفون أنهم في تغطية الحروب عندما يذهبون قد لا يعودون، وفي التقارير الدولية وعلى سبيل المثال تقرير منظمة الأونيسكو للعام الماضي، قُتل ما لا يقل عن 86 صحافياً في العالم ثلثهم تقريباً في الحروب والبقية من مافيات أو اغتيالات أو بسبب اجراءات أمنية كانوا يعترضون عليها في العالم”.

أضاف: “الشباب في لبنان الذين تعرضوا للقصف واستشهد منهم الزميل عصام على ما يبدو كان الأمر مقصوداً، وأنا أخبرني في القاهرة لواء خبير في الشؤون العسكرية أن صاروخاً كهذا لا يخطئ هدفه بل كان مقصوداً لعدم التغطية. وانا أعتقد أن هذه الحرب الشرسة التي تُخاض حالياً ضد غزة يُراد لها أن تبقى بعيدة عن الأضواء أو عند الحدود”.

وأوضح كليب أن “الحرب كلما طالت نظر العالم الى الويلات التي يتعرض لها الأطفال والنساء والمسنون، وتخويف أي اعلامي في مكان ما من العالم قد يردع الآخرين أو هكذا يظنون. نحن في لبنان الكثير من الزملاء دفعوا واجب هذه المهنة من أرواحهم وكثيرون يضعون أرواحهم على أكفهم، ولكن لا نستطيع القول ان هذه المهنة ستتوقف بسبب وجود اجرام في هذا العالم، إما إجرام كيان كاسرائيل أو الاجرام الذي يلاحق الصحافيين في دول أخرى”.

وشدد كليب على أن “المشكلة الأخرى هي أنه على الرغم من كل القوانين الدولية التي وضعت والشرعات الدولية لمحاسبة الذين يقتلون الصحافيين، لا يزال هناك حسب التقارير الدولية أكثر من 86% لم يحاسبوا لاعلاميين تعرضوا للقتل ولم يُحاسب قاتلوهم، فما يمكن أن نفعله من أجل عصام أو غيره ليس إصدار البيانات ولا البكاء وحسب، وانما العمل أيضاً مع مجموعة من المحامين، وهذا من واجب نقابتي الصحافة والمحررين في لبنان وربما وزارة الاعلام والدولة اللبنانية ووكالة رويترز لأنه كان يعمل فيها التقدم بدعوى جنائية ضد اسرائيل بالقتل العمد وما لم نفعل ذلك فيكون استشهاد عصام ذهب سُدى”.

وأكد “أننا في هذه المهنة ننتظر أن نموت في أي لحظة، وانا شخصياً تعرضت للموت عدة مرات أثناء تغطيتي الحروب، ولكن لكي نحمي المهنة وأنفسنا ونحاسب القتلة يجب أن تكون هناك محاكمات وهذا هو المطلوب في هذه الفترة”.

شارك المقال