وليد جنبلاط “الثابت”

صلاح تقي الدين

يزعم البعض أن أسهم الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عادت لترتفع في الأيام القليلة الماضية لدى فريق الممانعة وتحديداً “حزب الله” بسبب مواقفه وتصريحاته النارية التي أطلقها فور بدء العدوان الاسرائيلي على غزة، لكن هذا البعض أخطأ في السابق بحق الزعيم الدرزي الاستثنائي ويخطئ مجدداً اليوم، فوليد جنبلاط لم يتغيّر وهو في الملمات الصعبة “لا يضيع البوصلة” على ما وصفه يوماً صديقه “اللدود” الرئيس نبيه بري.

غريب هذا البعض كيف يحاول في كل لحظة سياسية أن يستغل مواقف جنبلاط إما لكيل المدائح أو الهجاء وفقاً لأهوائه وغاياته، لكن ما يفوته أن وليد جنبلاط، لم يتغيّر ولن يتغيّر في مسألة يعتبرها القضية الرئيسة له ولحزبه وإرثه وهي قضية فلسطين. فالرجل المسكون بهاجس القضية والتي يعتبرها المدخل الأساس للسلم الحقيقي في المنطقة دفع غالياً ثمناً لدفاعه عنها والعمل من أجلها، وإذا كانت مواقفه واضحة في هذا الشأن إلا أنه رفع من مستوى خطابه بعدما أمعن العدو الصهيوني في إجرامه ضد غزة والغزاويين وتسابقت وسائل الاعلام على عرض فظاعة ما يقوم به من تدمير ممنهج ضد المدنيين.

لماذا يستغرب هذا البعض أن يقول وليد جنبلاط ما قاله، وهل يعتقد أنه يفعل ذلك لاكتساب شعبية لم يفقدها يوماً؟ لو كان يسعى إلى تحقيق مكسب سياسي كما يزعم هذا البعض، لما كان ربط تصريحاته بين دعوة “حزب الله” إلى “التعقل” وعدم الوقوع في فخ الاستفزاز الاسرائيلي وبين تشديده على الوقوف إلى جانب أهل الجنوب في حال فرضت الحرب عليهم. لا يمكن لهذا البعض التشكيك في التزام جنبلاط العروبي واحساسه الانساني الذي ليس بحاجة الى أن يبرهنه ومواقفه وتقديماته معروفة ومعلنة أمام الجميع.

إن الصفعة التي تلقاها العدو الصهيوني في عملية “طوفان الأقصى” شكّلت بارقة أمل بالنسبة الى جنبلاط وكل مواطن لا يزال يؤمن بالحق الذي تجسّده القضية الفلسطينية، لكن المعلومات التي يملكها جنبلاط من مصادره العربية والدولية المتنوعة والكثيرة، قد تكون هي وراء دعوته “حزب الله” إلى عدم الوقوع في فخ الاستفزاز الاسرائيلي على الرغم من تصريحات قادة الكيان الصهيوني وجيشه بأنهم غير راغبين في فتح جبهة الشمال.

إن ما يقوم به الكيان الصهيوني في غزة يبعث على القلق الحقيقي على مستقبل لبنان وهذا حتماً ما يقرأه وليد جنبلاط جيداً، فبين الحديث عن خطة لتهجير سكان غزة إلى مصر، وبين التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة الطبيعية في القطاع من منازل وأبراج سكنية وتجارية وصولاً إلى المستشفيات والمدارس ليس منعزلاً عن مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد الذي لن يكون لبنان بعيداً عن تداعياته.

وإذا كان “حزب الله” يقرأ في قرار إسرائيل القضاء على حركتي “حماس” و”الجهاد الاسلامي”، مقدمة لاستفراده ومن ثم عزله، خطراً على وجوده، فإن جنبلاط صادق في رغبته بتحييد الحزب وتجنيب لبنان أثماناً ليس بمقدوره دفعها اقتصادياً ومالياً وسياسياً، وذلك يكون بعدم انجرار الحزب إلى الدخول في المعركة بل الاستمرار في تثبيت قواعد الاشتباك التي فرضها منذ العام 2006، وهي قواعد خلقت توازن رعب جعلت العدو الصهيوني يحسب ألف مرة حساب عدم الدخول في اشتباك مباشر مع الحزب.

لم يوفر جنبلاط في دعمه لمقاومة الشعب الفلسطيني البطل أي وسيلة بدءاً من دعوته أبناء طائفة الموحدين المسلمين الدروز في فلسطين إلى عدم الوقوف ضد المقاومين، ولم يوفر في انتقاداته قريباً أو بعيداً وهو ذهب في انتقاده لفرنسا “موئل” الحريات والحقوق الانسانية بعيداً، علماً أن علاقته مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جيدة لكن موقف الأخير “استفز” جنبلاط كما موقف وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن فنالا من انتقاداته وتعليقاته القدر الكافي.

لن يخلع جنبلاط عباءته العربية والقومية وليس بحاجة الى الخضوع لفحص دم في كل مرة يتعرّض فيها لبنان أو القضية الفلسطينية لأزمة وجودية مثل هذه الأيام العصيبة التي نعيشها، فالرجل الثابت في مواقفه على الأقل في الأزمات الكبرى، تاريخه يحكي عنه ولم يخطئ الرئيس بري عندما قال إنه يثق بأن صديقه لا يضيّع البوصلة وها هو يثبت اليوم أنه كذلك.

وتذكروا أيها السادة أن وليد جنبلاط لم يخلع على كتفي نجله تيمور عباءة الزعامة التقليدية بل ألبسه كوفية فلسطين… والعروبة.

 

شارك المقال