ايران أمام خيار الحرب لإنقاذ “حماس” و”حزبها” اللبناني

عبدالوهاب بدرخان

ساعة بعد ساعة، ويوماً بعد يوم، يُدفع لبنان دفعاً الى الحرب، شاء من شاء وأبى من أبى، فلا حكومة لتتخذ قرار الحرب ولو وُجدت لما أرادت الحرب لأن البلد المنهك بأزماته ليس مؤهّلاً لها. لكن الحزب الحاكم، “حزب إيران/ حزب الله”، هو الذي يُحدّد وسيحدّد موقفه في ضوء مصلحة إيران واستراتيجيتها الإقليمية وأهدافها العقائدية. العنوان هو التضامن مع غزّة، واستطراداً مع فلسطين، وهو يجمع اللبنانيين الذين يحق لهم أن يسألوا مَن سيتضامن مع لبنان إذا أُدخل في الحرب، ومَن سيضمّد جروحه، ومَن سيعوّض خسائره فوق الخسائر التي راكمها في أزمته الاقتصادية؟ لا أحد يعرف، وبالتأكيد لا “الحزب” ولا الحكومة التي تصرّف الأعمال وفقاً لمشيئته. الوضع مختلف عما كان في 2006.

لا تستطيع إيران تجنّب التدخّل، فالاجتياح البرّي لقطاع غزّة سيضع موازين القوى العسكرية على المحك، وهذه المرّة أكثر من أي مرات سابقة لن تكون هناك أي ضوابط للإجرام والوحشية الاسرائيليين، فهما يحظيان مسبقاً بـ “حياد” روسي وصيني متوقّع، لكن بدعم أميركي وغربي غير مسبوق، وفقاً لمعادلة صنّفت عملية “طوفان الأقصى” كـ “جريمة إرهابية” و”محرقة” أخرى لليهود لا يمكن أن يكون عقابها أقلّ من “جريمة ارهابية” مضادة. ولا معنى للاحتكام الى الموازين العسكرية، من دون أي أفق سياسي، سوى أن الطرف الأكثر تسلّحاً لن يتوقف عن القتل والتدمير قبل تحقيق هدفه. وقد لفت اعلام “محور الممانعة” الى أن أي نتيجة “أقل من اجتثاث حماس” ستعني “هزيمة” للعدو، ولو على أنقاض غزّة وبتضحيات هائلة من المدنيين.

يمكن تصديق حركة “حماس” إذ تؤكّد أنها أعدّت العدّة للعملية الدفاعية ضد الغزو البرّي، وقد برهنت بـ طوفان الأقصى” مدى جرأتها وفاعليتها، حتى أن العدو الإسرائيلي يتحسّب للأسوأ ويتخوّف من خططها في استعداداته للاجتياح، من دون أن يتوصّل الى تصوّر واضح لمفاجآتها. لذا فهو يعوّل على الأسلحة الأكثر فتكاً، ويستبق زحفه البرّي بدمار شامل لمناطق غزّة، من دون أي اعتبار للخسائر البشرية، بل إنه “يأمر” الغزيين بالنزوح لتلاحقهم طائراته على دروب نزوحهم. ثمة سلاح الاستشهاد، الذي تتميّز به “حماس”، وسيكون بالغ الأهمية في المواجهات، بعدما أظهرت أنها لم تعد معنية بالاستشهاد المجاني أو الرخيص، لكن يُستدل من تصريحات العدو أنه مصممٌ على بلوغ أهدافه ومهما بلغت خسائره فإنه سيحاول تعويضها بالتفوّق الناري، وبالفوسفور الأبيض وغيره من الأسلحة المحرّم استخدامها دولياً في القتال بين الجيوش لكنه باشر استخدامها ضد المدنيين في غزّة.

لذلك، فإن أي دور إيراني أقلّ من التدخّل المباشر في القتال، أو أقلّ من “اشعال المنطقة” و”الحرب الكبرى” اللذين لطالما توعّدت بهما، لن يكون مجدياً. لكنها اعتادت عدم التورّط المباشر، بحجة أنها مستهدفة دائماً بالخطر الأكبر، وترساناتها مخصصة للدفاع عن نفسها، وبالتالي فما على أتباعها ووكلائها سوى الخضوع للتكليف الجهادي. وإذ تلقّى جميع أطراف “محور الممانعة”، بمن فيهم إيران نفسها، تحذيرات أميركية مباشرة وعلنية، فإن طهران الآن أمام اللحظة التي انتظرتها واستدرجتها بل تمنّتها: فإما أن تكون على المستوى الذي ادّعته، وإما أن تتراجع. الأمر لا يتعلّق بـ “الخوف” من تهديدات أميركية أو إسرائيلية، وانّما بالوضع الذي فجّرته “حماس” بـ “طوفان الأقصى” واستدعى ردّ فعل غربياً مشابهاً لذلك الذي استدعته “حرب أكتوبر 1973″ و”تفجيرات 11 سبتمبر” بل أكثر تعصّباً وشدّة وتهوّراً، تحديداً لأنها – أي إيران – هي الطرف الآخر.

دُمّر نصف غزّة ويُهَجّر حالياً سكانها ولما يبدأ الاجتياح البرّي بعد، فيما لا تزال إيران تدرس الموقف، بل تبدو كأنها غير جاهزة فيما يقول “حزبها” اللبناني إنه “بجهوزية كاملة”، وتبدو كأن “حماس” باغتتها هي أيضاً بضخامة عمليتها وربما بتوقيتها، على الرغم من تسريب أن “الضوء الأخضر” أعطي في اجتماع في بيروت حضره مسؤولون من “الحرس الثوري”. بل تبدو إيران كأنها فوجئت بمستوى التحذير الأميركي، فهل أخطأت في تقدير ما سينجزه “طوفان الأقصى” وما سيليه من تداعيات، وهل بالغت في الثقة بقدرتها على… “الردع”، تحديداً على ردع اسرائيل؟ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اتصل بالسعودية ليبلغ عبرها “رسالة” الى الولايات المتحدة، وجاء وزيره حسين أمير عبد اللهيان الى بيروت لإطلاق تلك الرسالة: “إذا أراد الأميركيون منع تطور الحرب في المنطقة، فعليهم لجم إسرائيل”، والدعم الأميركي “غير المحدود لجرائم اسرائيل المستمرة سيجعل الوضع أكثر سوءاً”.

لا تستطيع إيران سوى الذهاب الى الحرب، وهذا ما يُفهم من تصريحات المرشد علي خامنئي، لكنها ستذهب بميليشياتها وليس بصواريخها وقدراتها على الردع، وإلا فإن أراضيها قد تصبح موضع استهداف. لم يخلُ موقف إيران من ارتباك مكتوم وصمت مدروس إزاء ما حصل حتى الآن في غزّة وما هو آتٍ اليها، بل لم يخلُ من تساؤلات عميقة في شأن استراتيجية “توحيد ساحات المقاومة” التي اتضح أنها لم تنضج بعد، وقد يؤدّي اجتياح غزّة الى كسرها في حال نجح في توجيه ضربة موجعة لـ “حماس”.

كانت إيران باشرت تطبيق استراتيجية جديدة للحفاظ على مكاسبها الإقليمية (سوريا ولبنان واليمن والعراق وفلسطين)، لكن الضربة التي تريدها إسرائيل والولايات المتحدة اجتثاثاً لـ “حماس”، بل اجتثاث لشعب غزّة الذي تعتبرانه “درعاً بشرية” يحمي الحركة، ستعني بتراً لـ “ذراع إيرانية” مهمة، لتبقى بعدئذ الذراع الأكثر أهمية – “حزب الله”. لطالما برّر هذا “الحزب” وجوده بهدف نهائي هو “تحرير فلسطين”، ومن أجل هذا الهدف فرض سلاحه غير الشرعي ثم فرض نفسه حاكماً ومحمّلاً لبنان عبء “المقاومة”، وهو يحمّله الآن عبء “خطّته الخاصة” في مواجهة إسرائيل، كما وصفها نعيم قاسم، ظانّاً أن “قواعد الاشتباك” مع العدو تشمل السماح لعناصر “حماس” بإطلاق الصواريخ من سهل القليلة وفتح السياج الحدودي أمام مسلحي حركة “الجهاد”. لا يمكن “حزب إيران/ حزب الله” اعتبار أن لديه خيارين متاحَين ممكنَين: المشاركة في حرب إقليمية والمحافظة على قوته وهيمنته.

شارك المقال