هذا ما سيحصل ما بعد بعد جهنم!

جورج حايك
جورج حايك

بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري عن تأليف حكومة ودخول البلد في المجهول، يتساءل كثيرون: ماذا بعد؟

اللبنانيون يعيشون في ظل جهنم على وقع ارتفاع دراماتيكي لسعر صرف الدولار والانتظار المذل على محطات الوقود ومتاهات فقدان الدواء وارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوبرماركات، ويتطلعون إلى الأفق فيرونه مسدوداً بعوائق أحزاب لها مشاريع إقليمية أو مسؤولين سياسيين طامحين إلى مزيد من السلطة، غير آبهين بمصير شعب ووطن يتجهان إلى قعر جهنم!

قد يبدو هذا المقال مجموعة توقعات أو معلومات هدفها تخويف الناس، لكن الهدف ليس التخويف حتماً، بل رسم صورة واقعية لما سيأتي لأن الحالة التي نجمت عن الانهيار الاقتصادي والسياسي لها نتائج حتميّة مرّت فيها سابقاً دول قريبة وبعيدة، وهذا ما يُجمع عليه خبراء اقتصاديون إذا لم تحصل عملية انقاذ حقيقية من خلال تأليف حكومة اختصاصيين مستقلة، تنفّذ الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها المجتمع الدولي فتفرمل الانهيار، وإلا سنكون أمام مجموعة عوامل سلبية وخطيرة ستتفاقم مع الوقت على الشكل الآتي:

  • التضخم: هذا العامل يعيشه اللبنانيون يومياً، إذ تتضاعف أسعار السلع كل يوم بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية التي تتدهور قيمتها بسرعة صاروخية، وبالتالي سيصبح التجار بعد فترة عاجزين عن استيراد المواد الأساسية، وإذا وُجدت ستكون باهظة الثمن، بحيث لا يستطيع المواطن شراءها، ولن يكون مستغرباً أن يتجاوز ثمن “الفروج” ما لا يقل عن 500 الف ليرة بعد أشهر قليلة!

التضخم قد يصل إلى مستويات عالية جداً، إذ إنه كلما ارتفع الدولار سيزيد التضخم في وقت يتم فيه طبع المزيد من كميات العملة اللبنانية فيما نحن بحاجة إلى الدولار، وبالتالي المطلوب ليس معالجة النتائج إنما المشكلة من جذورها وهي سياسية في الدرجة الأولى تتطلب حكومة غير عادية تقوم بالإصلاحات! وإذا استمر التضخم، سيضطر المواطن إلى حمل حقيبة تحتوي على كميات هائلة من الليرة اللبنانية لشراء كيلو لحم! وبلا أدنى شك، لقد انهار الحد الأدنى للأجور، ومن المتوقع أن يُعدّل، لكن مهما ارتفع سيبقى متدنياً بسبب التضخّم المفرط والمتصاعد باستمرار، وثمة علامات استفهام تُطرح حول امكانية المصرف المركزي في دفع رواتب العاملين في القطاع العام في مواعيدها!

  • الجوع: لن يكون لدى جزء كبير من المواطنين القدرة على شراء الطعام، وسنشهد تراجعاً على صعيد الغذاء من حيث الحجم والنوعيّة، وبالتالي نسبة عالية من اللبنانيين لن يتسنى لهم تناول أكثر من وجبة غذائية واحدة في اليوم، ما سيشجع اعتماد “اقتصاد المقايضة” بعيداً عن التعامل مع العملة المحلية، فنرى، على سبيل المثال، مقايضة الطحين مقابل السكر.
  • شحّ الدواء: هذا الأمر بدأت معالمه تظهر وتأثيراته خطيرة، ومن المتوقع أن يُصبح وجوده أكثر ندرة، وإذا توفّر في الصيدليات فسيكون سعره مرتفعاً جداً ويتجاوز قدرات المواطنين الذين أصبح 70 في المئة منهم فقراء.
  • أمراض وأوبئة: سيؤدي النقص في الغذاء وشحّ الدواء، وتراجع القطاع الصحي والاستشفائي وعدم قدرة المواطنين على تحمّل تكاليف العلاج، إلى تفشي الأمراض والأوبئة، ولا سيما انتشار الأمراض المعدية بين الناس.
  • الهجرة: من المتوقع كلما ساءت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أن يزداد عدد المهاجرين وربما بالآلاف، وسنشهد حالات هجرة غير شرعية بواسطة مراكب “الموت”، ولن تكون حدودنا مع سوريا وإسرائيل بعيدة عن حالات فرار اللبنانيين من الوضع اللبناني الكارثي.
  • احتجاجات شعبية وقمع بوليسي: الحالة الاقتصادية البائسة ستدفع الناس إلى الاحتجاج والقيام بردود فعل قاسية في الشارع وستزداد معدلات الجريمة والسرقات، ما سيؤدي إلى عمليات قمع حازمة لضبط الأمن والفوضى، وستزدحم السجون بالناشطين السياسيين المعارضين والناقمين على السلطة والنظام.
  • استقواء الميليشيات على القوى الأمنية الشرعية: قد تصبح القوى الأمنية الشرعية في مرحلة معينة مرهقة نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي والانفجار الاجتماعي، ما قد يعطي قوى الأمر الواقع المسلّحة أفضلية للإمساك بالشارع وحماية السلطة التي لها مصلحة باستمرارها في الحكم، بغية تنفيذ مشروعها ومتابعة عمليات التهريب والأعمال غير المشروعة.
  • انقطاع التيار الكهربائي: لن يستمر مصرف لبنان بفتح الاعتمادات لمؤسسة كهرباء لبنان نتيجة نفاد الاحتياط الإلزامي بعد فترة، فماذا سيحصل؟ حتماً المولدات الكهربائية الخاصة لن يكون بإمكانها تغطية هذا النقص لفترة طويلة نتيجة سعر المازوت المرتفع، وبالتالي هذا الأمر سيؤدي إلى انقطاع المياه وتعطل العمل في المصانع والمؤسسات وتراجع خدمة الإنترنت والاتصالات، وبالتالي شلّ البلد نهائياً.

قد تكون الصورة التي رسمناها درامية بامتياز بل مرعبة، إلا أنها واقعية إذا استمر التعاطي السياسي على هذا النحو غير المسؤول من الأكثرية الحاكمة، ولا ينفع التكابر ولا حلول “الذهاب شرقاً” للانفصال عن المجتمع الدولي الذي تخاصمه إيران، لأن لبنان لا يمكن أن يعيش في محور متطرف يقتات من المواجهات مع الغرب والخليج العربي.

الحل بات معروفاً للقاصي والداني، وهو تشكيل حكومة اختصاصيين إنقاذية لا تضم ممثلين للأحزاب، تقوم بتطبيق الإصلاحات الموعودة في ملف الكهرباء والاتصالات ومنع التهريب والتخفيف من فائض العاملين في القطاع العام والتدقيق الجنائي وغيرها، وإدارة شفافة للمساعدات المالية والقروض التي ستأتينا من الدول الصديقة وصندوق النقد الدولي.

أما الاستمرار في المماطلة فلا يعني سوى قرار الانتحار إلى ما بعد بعد جهنم!

شارك المقال