ضمن قواعد الاشتباك

لينا دوغان
لينا دوغان

على وقع المجازر في غزة والجرائم الوحشية التي يرتكبها العدو الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني نساء ورجالاً وأطفالاً وشيوخاً، يعيش اللبنانيون يومياتهم، وهم ليسوا بأحسن حال فجنوبهم على خط النار، وقد نال نصيبه إن في الجسم الاعلامي باستشهاد المصور الشاب عصام عبد الله واصابة أربعة آخرين، أو باستشهاد مواطنين آمنين كانا فقط يلتزمان البيت خلال القصف. فإذا كانت غزة تعيش تحت وابل القصف الذي راح ضحيته حتى الآن أكثر من ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح غير الموجودين تحت الأنقاض، فإن لبنان يعيش الخوف يومياً من الدخول في هذه الحرب، اذ لم يعد على لسان الناس سوى هذا الحديث أينما التقوا وكيفما تحادثوا، حتى أنهم يتناقلون ويتابعون كل تحليل يصدر عن كل اعلامي يعلق على هذا الموضوع، أو يدون جملة يعبّر فيها عن رأيه بشأن الوضع وامكان دخول لبنان الحرب.

لكن أين لبنان من هذه المعادلة؟ وأين الدولة اللبنانية التي لم نسمع لها أي موقف سوى عند انعقاد جلسة يتيمة لمجلس الوزراء في ظل ما يجري، شدد خلالها الرئيس نجيب ميقاتي على دور الجيش في حماية الأمن والاستقرار، مجدداً التزام لبنان بالقرار 1701، وعلى التعاون الوثيق بين الجيش وقوات “اليونيفيل”، ومعتبراً أن مجمل الحوادث التي تجري على طول الخط الأزرق، هي نتيجة للاستفزازات الاسرائيلية ولخرق العدو الدائم القرار 1701؟

لكن على الرغم من مضمون هذا البيان، أين لبنان مما يجري، ومن يحميه أساساً مما يجري؟

يسلم جميع اللبنانيين من مؤيدين ومعارضين بأن قرار الحرب والسلم ليس بيد الدولة، بل بيد “حزب الله”، لكن الأمر هذه المرة يختلف كثيراً عن المرات السابقة لسبب واحد بسيط وهو أن معظم اللبنانيين يرفض أن تنجر البلاد الى حرب لا دخل له فيها ولا يريدها كما وأنه لا يتحملها، وعلى “حزب الله” أن ينتبه الى هذه النقاط جيداً وأظن أنه على دراية بها.

وعلى الرغم من ذلك فالأنظار على الحزب، إذ يمثل موقفه من الانخراط في المواجهة من عدمه عاملاً حاسماً في مسار المعركة، خصوصاً أن الاشتباكات المستمرة على طول الحدود في جنوب لبنان وشمال فلسطين، تثير التساؤلات عما اذا كانت هناك جبهة ثانية ستندلع، لا سيما لجهة ما نسمعه من كلام مسؤوليه عن أن الحزب لا يقف على الحياد في هذه المواجهة.

منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، العين الأميركية “احمرت” على “حزب الله”، وجاءت تحذيرات ادارة جو بايدن واضحة وتحديداً للأطراف الاقليمية والتي يقصد بها “حزب الله” وايران من استغلال الموقف الهش الذي ظهر به المحتل، لتقوم بفتح جبهات أخرى.

إدارة بايدن التي لا تستبعد هذا الخيار من حساباتها، وتعتبره التهديد الأبرز، قامت بإرسال حاملة طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، كتحذير لـ”حزب الله” وإيران من عدم تصعيد المواجهة.

على الخط الايراني، ما قبل عملية “طوفان الأقصى” شيئ وما بعدها شيئ آخر، إيران قبل لم تكن أبداً راغبة في التصعيد في المنطقة، بل على العكس اتخذت سلسلة من السياسات الاقليمية الهادفة الى خفض التصعيد والافادة من موقف إدارة بايدن الساعي الى الاتجاه نفسه في التخفيف من الضغط وآثار العقوبات عليها، إلا أن الموقف الذي فرضته معركة “طوفان الأقصى” قد يجبر جميع الأطراف على إعادة حساباتها، حينها ستكون أقرب الى الانخراط في المواجهة في حال تعرض كل من “حزب الله” و”حماس” لحرب قاسية بغطاء أميركي وغربي.

التصعيد في أعلى درجاته، لكن بالتوازي الاتصالات بين جميع الأطراف وعلى أعلى المستويات قائمة لوقف نزيف الدم أولاً الذي يسيل في غزة وتزهق فيه الأرواح، وطبعاً كي لا تصل الأمور الى مواجهة كبرى يدخل فيها الحوثي من اليمن والحشد الشعبي من العراق و”حزب الله” من لبنان. وحتى تسير الأمور لتصل الى مسعى تفاوضي، من المفترض أن لا تقدم اسرائيل من خلال الضغط طبعاً على القيام بالهجوم البري، ولا يقوم “حزب الله” بتنفيذ تهديده في هذا الاطار ويبقى الوضع جنوباً محصوراً بقواعد الاشتباك.

شارك المقال