إسرائيل تستدرج واشنطن إلى خطأ فادح؟

حسناء بو حرفوش

هل ارتكبت إسرائيل خطأ فادحاً؟ وفقاً لتحليل في موقع The American Prospect الالكتروني، “أدى هجوم حماس المفاجئ من غزة إلى ارباك الإسرائيليين تماماً. وشبّه العديد من المعلقين الهجوم بأحداث 11 أيلول. ولكن هذه المقارنة لا تصح على مستوى الهجوم مع أنها تتناسب تماماً مع رد فعل الحكومة الاسرائيلية التي قادت هجوماً انتقامياً بطريقة ألحقت الضرر بعدد لا يحصى من المدنيين الأبرياء في غزة وفي نهاية المطاف إسرائيل نفسها.

واستهدفت إسرائيل غزة بقصف مكثف، وقطعت كل إمدادات المياه والغذاء والوقود، ما أدى إلى أزمة إنسانية فورية. بالاضافة إلى ذلك، يعاني المستشفى الرئيس في غزة من اكتظاظ بالكامل ويكاد الوقود أن ينفد. ومنحت الحكومة الاسرائيلية المقيمين في شمال غزة 24 ساعة للانتقال إلى الجنوب، وهو مطلب غير معقول لأكثر من مليون شخص، ويبدو أن هناك غزواً برياً يجري الاعداد له. وقتل نحو 2600 من سكان غزة على الأقل.

وحظيت الحكومة الاسرائيلية في البداية بدعم كامل من إدارة الرئيس (جو) بايدن. وأمرت البحرية الأميركية بإرسال مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة – واحدة مباشرة قبالة ساحل غزة، والأخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط – في استعراض كبير للقوة. ومع ذلك، خلال الأيام القليلة الماضية، حدث تغيير ملحوظ في النهج. وحسب ما ورد، تضغط إدارة بايدن والحكومات الغربية الأخرى على الحكومة الاسرائيلية خلف الكواليس لتقليص عدوانيتها، واستعادة بعض الخدمات الأساسية إلى جنوب غزة على الأقل.

ويأتي موقف بايدن بعد مرور ما يزيد عن عامين على انسحابه من أفغانستان عقب حرب دامت 20 عاماً وأنفقت فيها تريليونات الدولارات وفقدت أرواح الآلاف من القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها ومئات الآلاف من المدنيين والجنود الأفغان، لينتهي الأمر بعودة المجموعة نفسها التي أطاحت بها القوات الأميركية في المقام الأول، للسيطرة على البلاد. وفي العراق أيضاً، كانت النتيجة أسوأ من ذلك بكثير: حرب أكثر تكلفة وتدميراً ودموية، وأزمة إقليمية مدمرة أدت مباشرة إلى صعود تنظيم داعش. لقد تضررت سمعة الولايات المتحدة الأميركية في مختلف أنحاء العالم بشدة.

أما أحد الاختلافات الملحوظة عن أحداث 11 أيلول، والتي أدت الى ارتفاع معدلات التأييد لـ (جورج) بوش، فهو أن الغالبية الساحقة من اليهود الاسرائيليين يحملون (بنيامين) نتنياهو وحكومته المسؤولية عن الهجوم. وهذا صحيح على عدة مستويات:

أولاً، والأكثر وضوحاً، أن الوعد السياسي الأساس الذي يبذله نتنياهو (جزئياً كغطاء لفساده الفظيع) هو أنه وحده القادر على حماية المدنيين الاسرائيليين من خلال سياسة الفصل العنصري لم يفشل فحسب، بل يبدو أن الحكومة تجاهلت تحذيرات من نوع من الهجوم قيد الاعداد.

ثانياً، يعود الفضل جزئياً إلى اعتماد نتنياهو على حزبين استيطانيين متطرفين صغيرين للحصول على غالبية في البرلمان الاسرائيلي، بحيث كانت العديد من الوحدات العسكرية الاسرائيلية أثناء الهجوم خارجة لحماية المستوطنين المتوحشين في الضفة الغربية (الذين أثاروا العديد من الاشتباكات الدموية مع الفلسطينيين خلال العام الماضي) بدلاً من التمركز على الحدود مع غزة. ثالثاً، كان من الواضح أن الفشل في تأمين نوع ما من التسوية الدائمة مع الفلسطينيين كان سبباً في تأجيج الغضب المناهض لاسرائيل. وربما تكون هذه الحرب الجديدة على غزة هي الذروة النهائية لهذه السياسة.

والآن قد تحل إسرائيل مشكلة حماس المباشرة من خلال أساليب أسوأ الجزارين في التاريخ – أي طرد و/أو ذبح كل سكان غزة البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة، نصفهم من الأطفال، وفرض سلام القبر، ولكن بأي ثمن؟ وبينما تقف أوروبا والولايات المتحدة إلى حد كبير حتى الآن إلى جانب إسرائيل بدأ هذا الدعم يتداعى بالفعل في بعض الأوساط بفضل الوحشية الإسرائيلية. ولن تؤدي أسابيع أو أشهر من القتال الدموي من شارع إلى شارع إلا إلى استنزاف الدعم بصورة أكبر. ونظراً الى أن الولايات المتحدة هي الراعي الدولي الأكبر لاسرائيل حتى الآن، قد لا تكون هذه الأخيرة وحدها هي التي تحرك ردود الفعل السلبية في المستقبل. ولا شك في أن التحول المتردد نحو الديبلوماسية وضبط النفس أمر مرحب به، ولكنه غير كاف. وسيكون من الحكمة أن تستمر إدارة بايدن في الضغط على إسرائيل لوقف ارتكاب جرائم حرب، وإدراك أن التسوية العادلة والدائمة مع الفلسطينيين هي السبيل الوحيد للأمن الحقيقي”.

شارك المقال