“القوات اللبنانية” مع القضية الفلسطينيّة ولكن…

جورج حايك
جورج حايك

لا يمكن لأي قوى سياسية لبنانية إلا التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لأبشع أنواع القتل والعنف نتيجة تمادي اسرائيل الوحشي في استهداف المدنيين في غزة، و”القوات اللبنانية” ومناصروها الذين ذاقوا طعم الظلم والقتل الجماعي على يد الاحتلال السوري يُدركون مشاعر الفلسطينيين، ويتعاطفون ككل شعوب العالم مع أوجاعهم والمأساة التي يعيشونها بسبب حصار اسرائيلي قُطعت فيه كل أنواع الحياة عن غزة من كهرباء ومياه وغذاء وأدوية، إضافة إلى استخدام آلات الدمار والقتل العسكرية ضد الشيوخ والأطفال والنساء. وحتماً تقف “القوات” ضد سلوك اسرائيل التي تعتمد منذ عام حتى اليوم أسلوباً متطرفاً ضد الفلسطينيين ولا سيما حكومة بنيامين نتنياهو المستبدة.

أمام هذا التضامن الانساني والمعنوي والفكري والسياسي مع القضية الفلسطينية، ترفض “القوات” إقحام لبنان في هذا الصراع الدموي. صحيح أن مطالب الفلسطينيين محقة إلا أن مصلحة لبنان فوق كل إعتبار، وما يجري على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية لا يُطمئن كثيراً ولو كان لا يزال في إطار قواعد الاشتباك بين “حزب الله” واسرائيل، لأن القرار ليس لبنانياً إنما في طهران، وقد يتحوّل هذا القرار من مناوشات على الحدود إلى حرب دامية لا يحتملها لبنان المنهار اقتصادياً ومالياً ومعيشياً.

لقد قاومت “القوات” منذ السبعينيات ما يسمّى “فتح لاند” وتشريع أرض الجنوب لعمليات تقوم بها الفصائل الفلسطينية، والجميع يعرف أن هذا الأداء أدى إلى اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، ولم تبقَ “القوات” مكتوفة أمام المدّ الفلسطيني الذي اعتبر يوماً “أن طريق القدس تمر في جونية”. اليوم، ترى “القوات” أن المشهد يتكرر بعناوين جديدة، فبعدما كانت “جبهة الصمود والتحدي” أصبحت اليوم “وحدة الساحات”، وها هي الفصائل الفلسطينية تستخدم أرض الجنوب برضى “حزب الله” لرمي الصواريخ نحو اسرائيل، وتوريط لبنان في “حمّام دم” بغنى عنه.

هذه المشهديّة ترفضها “القوات” لأنها ستجلب الويلات إلى لبنان، والوضع مرشّح للتدهور في ظل غياب الدولة، لأن قرارها مصادر من “الحزب” الذي لا يأبه لوجود الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية. وتتوجّس “القوات” من ساعة الصفر التي تبدو غير بعيدة مع بدء الغزو البري الاسرائيلي لقطاع غزة، فمن يضمن أن يبقى “حزب الله” منضبطاً ضمن قواعد الاشتباك إذا شعر محور الممانعة أن “حماس” إنهارت أمام الضربات الاسرائيلية؟

هذا ما تتوقعه “القوات” أي إنجراف لبنان إلى حرب لا مصلحة له فيها بسبب حسابات ايران و”الحزب”، وقد تكون التداعيات خطيرة وكبيرة لأن الولايات المتحدة وبريطانيا والمجتمع الدولي لن تترك اسرائيل وحدها في المواجهة، ومن المؤكد أن الفاتورة الباهظة سيدفعها الشعب اللبناني دماً ودماراً وانهياراً يتراكم فوق الانهيار الذي يعيشه.

و”القوات” ضد رؤية محور الممانعة الذي تتزعمه ايران حيال حل القضية الفلسطينية، أي القضاء على إسرائيل بالحروب والقتل والقوة لأن دول العالم أجمع لن تقبل بهذا الحل وهو ليس واقعياً، فيما تستخدم إيران الفلسطينيين لأهدافها الاستراتيجيّة في المنطقة عن طريق دعم “حماس” وتشجيعها على تحويل غزة إلى “جهنم”، وبالتالي ترى “القوات” أن “حماس” تتحمّل مسؤولية تدمير القطاع بالتكافل والتضامن مع اسرائيل.

لا تشك “القوات” في أن القضيّة الفلسطينيّة هي جوهر المشكلات في الشرق الأوسط ويجب حلّها، لكن لا يمكن حلّها إلا بتوافق على حل الدولتين، وهذه منطلقات الرؤية العربية للحل ولا سيما المملكة العربيّة السعوديّة التي كانت تتفاوض مع اسرائيل على التطبيع لكن ضمن إطار الحل للقضيّة الفلسطينيّة، ويبدو أن الايرانيين شعروا بإمكان حصول هذا الأمر، فقرروا تعطيله لأن ذلك سيؤدي إلى خسارتهم بعض الأوراق التي يستثمرونها كالقضية الفلسطينية وستؤدي إلى عزلهم.

لا علاقة لـ”القوات” بـ”حماس”، ولن يكون لها علاقة في المستقبل، فمشروع “حماس” لا يشبه مبادئ “القوات” وقيمها، وهي تقترب من السلطة الفلسطينية التي تجمعها ورئيسها محمود عباس علاقات وطيدة، وخصوصاً أن الطرفين أقاما مراجعة نقدية لتاريخهما، وقد حصل ما يشبه تنقية الذاكرة بعد حرب دامية عام 1975.

وليس مستغرباً أن تكون “القوات” على خط السلطة الفلسطينية، وتجمعهما الرؤية العربية لحل القضية الفلسطينية. لكن الهمّ اليوم لدى “القوات” هو تجنيب لبنان حرباً كارثيّة، وهي تبذل من خلال علاقاتها الديبلوماسية مع الدول الصديقة للبنان جهوداً كبيرة، وكان لها موقف موحد مع بقية قوى المعارضة ضد توريط “حزب الله” للبنان في حرب تعيده إلى العصر الحجري، وخصوصاً أنه ليس سوى جندي في الحرس الثوري وينتظر القرار من طهران التي اعتادت إبعاد نفسها واستخدام الشعوب الفلسطينية واللبنانية والسورية والعراقية واليمنية وغيرها تنفيذاً لأغراضها غير الشرعية والمزعزعة للاستقرار.

وتستغرب “القوات” أمام هول ما يحصل وخوف الشعب اللبناني من حرب لا يستطيع أن يتحمّل كلفتها، امتناع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الدعوة إلى حوار لمناقشة قرار الحرب الذي هو من حقّ الدولة وحدها، وليس من حقّ ميليشيا يتحدّث باسمها وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان ملوِّحاً بفتح الجبهات ومستثنياً إيران من المواجهة!

لقد أقام بري الدنيا وأقعدها من أجل حوار لانتخاب رئيس، وفق “القوات”، علماً أنه لم يكن هناك داع لحوار بل تطبيق الآليات الدستورية الديموقراطية وإجراء انتخابات بجلسات مفتوحة ومتواصلة حتى انتخاب رئيس، أما الحاجة الى الحوار فهي ماسة اليوم لأن المطلوب تطمين اللبنانيين بأنّ حرب غزة لن تمتد إلى لبنان، ولكن، يا للأسف، هناك مَن يعتبر أنّ قرار الحرب من حقه وحده وغير خاضع للحوار والنقاش ولو أدى إلى قتل جميع اللبنانيين وتشريدهم.

أما صدمة “القوات” والشعب اللبناني فكانت بإعتراف الرئيس نجيب ميقاتي بأن قرار الحرب والسلم ليس بيد الحكومة، ومن هنا تتساءل “القوات”: إلى متى يبقى مصير اللبنانيين مرتبطاً بأجندات إقليمية صراعية تأخذ لبنان رهينة وتتعامل معه كساحة مواجهة أو مقايضة؟ وإلى متى يبقى الشعب اللبناني من دون دولة تكون ضامنة لأمنه وسلامته واستقراره؟ وإلى متى يبقى مصير اللبنانيين مرتبطاً بمصالح محور ممانعة أو أهوائه أو مزاجه والذي يأخذ لبنان في الاتجاه الذي يخدم أغراضه؟

وتعود “القوات” إلى نقطة البداية وهي “الحياد”، فلا أمن ولا استقرار ولا ازدهار للبنان ما لم يلتزم الحياد، لذلك ترى أن درب الجلجلة طويل، وكل تجارب “حزب الله” السابقة في الحروب أدت إلى الكوارث بحق لبنان الدولة والشعب.

شارك المقال