الدور السني الكبير

عاصم عبد الرحمن

وعلق لبنان على خشبة الانتظار والانتصار، انتظار ما سيؤول إليه “طوفان الأقصى” الذي يعوّل عليه كل مسلم وعربي للانتقام من عقود عجاف من الاستسلام والظلم والقهر التي مارسها الكيان الصهيوني الغاصب ولا يزال منذ العام 1948، وانتصار المحور المؤيد لحركة “حماس” من الممانعة الذي يفقه استغلال القضية الفلسطينية وفق إطلاق القنابل المسيلة للدموع وإلقاء المناشير التي تذكر المؤمنين ولا تنفعهم أو الاحتفاظ بحق الرد منذ سبعينيات القرن الماضي. وإذا كان “حزب الله” ينتظر إعلان النصر لترجمته في الاستحقاقات الداخلية فماذا عن الدور السعودي والمصري في أحداث غزة وانعكاسه على السُّنَّة في لبنان؟

تلعب السعودية دوراً متقدماً في معركة “طوفان الأقصى” التي تخوضها “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس”، فهنا فلسطين، هنا غزة هاشم، لا مكان للاختلاف في المواقف السياسية، إنه محور الانسان والأخوَّة في وجه عدو صهيوني غاصب قاتل الأنبياء، مدنّس للمقدسات، مهين للشرائع ومنكر للآخر. أوقفت المملكة العربية السعودية إجراءات التطبيع مع إسرائيل وربطتها بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وهي تعطي اليوم الأولوية لإنقاذ أهل غزة من شرور العدوان الاسرائيلي مع التمسك النهائي ببقائهم في أرضهم رفضاً لأي حلول تهمس في أذن تصفية القضية عبر تهجير الغزيين إلى سيناء وأبناء الضفة إلى الأردن على وقع توطين فلسطينيي المهجر في البلدان المضيفة لهم.

موقف متشدد إذاً حيال القضية الفلسطينية أعلنه الأمير محمد بن سلمان لاقته إليه جمهورية مصر العربية الجارة اللصيقة بقطاع غزة التي لم تهدأ سياسياً وديبلوماسياً منذ لحظة انفجار “طوفان الأقصى” لايجاد الحلول التي تنصف الفلسطينيين وتحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة في المحافل الدولية فزمن المظلومية التي يعتنقها الإسرائيليون قد ولى بالنسبة الى السعوديين والمصريين مهما تشدد الغرب والأميركيون في تأييدهم.

الموقف السعودي والمصري والعربي واضح لناحية دعم القضية الفلسطينية إنسانياً وسياسياً وديبلوماسياً سعياً الى الوصول إلى حل شامل يقوم على مبادرة السلام العربية التي أطلقها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله في بيروت عام 2002. في مقابل الموقف الإيراني الذي أعلنه وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي عبّر فيه عن أن كل الاحتمالات واردة بما فيها التدخل العسكري وتعدد ساحات القتال وفتح الجبهات لناحية الحدود اللبنانية يقودها “حزب الله”.

في هذا السياق، تحدث مراقب مسيحي متخصص في التاريخ الاسلامي والعلوم السياسية لـ “لبنان الكبير” معتبراً أن ما حصل في غزة هو من ألاعيب إيران، وأن إسرائيل هي عدو ضعيف ومكشوف بينما العدو الخطير هو إيران، مضيفاً: “إن الصراع في هذه القضية سيكون مستقبلاً بين السنة المعتدلين والسنة المتطرفين، فإذا أصبحت حماس قوية ستتصادم مع مصر والسعودية والأردن وهنا بيت القصيد، العرب بدعم من الغرب وحماس بدعم من إيران”. وشدد على أن ما يحصل اليوم هو حرب بين إيران والسعودية من تحت الطاولة حول زعامة العالم السني وإيران تدفع الشعب العربي إلى تغيير وجهة تركيزه نحو إسرائيل، فالشعوب وخصوصاً العرب قد لا يكونوا مؤهلين لقراءة السياسة بصورة صحيحة لأنهم ينجرفون في عواطفهم، متخوفاً من أن تنتصر إيران في المنطقة وتصبح مرجعاً إسلامياً وبالتالي تتصادم مع الأنظمة العربية وتندلع حروب داخلية.

وتابع المراقب المسيحي: “هناك صراعات قومية ومذهبية عمرها 1400 سنة، وهناك تفكير قبلي وديني غير قابل للتطور بمعنى أن اليهود إذا تمكنوا من إقامة دولة في قلب العالم العربي فهذا معناه أن العالم العربي يعاني من مشكلة داخلية كبيرة. الصراع المذهبي والتحزب واقع تاريخي في العالم العربي الذي يفترض مروره بحركة بروتستانية ونهضوية كي يصل إلى الوحدة أو العلمنة. إن نظرة الأنظمة تختلف عن نظرة الشعوب وربما قد يتبين يوماً ما أن الأنظمة هي على حق وهو ما ينطبق على الأمير محمد بن سلمان الذي يعتبر إنساناً نهضوياً يريد تطوير الانسان المسلم ولكن بالتدرج كي لا يصبح خارج التطور العالمي، فالاتجاه هو للانفتاح والمساواة ورفاه الانسان وليس للحروب والصراعات”.

وأكد إن إيران هي المستفيد الوحيد من التطرفـ فالشيعة يطرحون أنفسهم كمعتدلين أمام الغرب، متسائلاً: لماذا لم يدخل “حزب الله” المستوطنات الشمالية بالتزامن مع هجوم “حماس”؟ ليجيب: “كي تتشوه صورة السنَّة أمام الغرب بأنهم يقتلون ويعتدون بينما حزب الله يطبع ويرسم حدوداً”.

“حزب الله” إذاً، يقف عند قارعة الانتظار لتحديد وجهة الانتصار بينما يعوّل المسيحيون على دور سني كبير يقود المنطقة العربية إلى سلام عادل وشامل يعيد العالم العربي ملتقىً للحضارات والشرائع والثقافات المتعددة من السعودية إلى مصر مروراً بفلسطين وليس انتهاءً بلبنان. فعلى الرغم من أن الطائفة السنية في لبنان ليست على ما يرام سياسياً إلا أنه يعوّل عليها للحفاظ على لبنان الدولة والرسالة والتعددية، وفي هذا السياق علم “لبنان الكبير” من مصادر مقربة من بكركي نقلت عن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قوله: “إنَّ على الرئيس نجيب ميقاتي والنائب جبران باسيل التوقف عن النكد السياسي والعودة إلى مبادئ ميثاق العام 1943 الذي أرساه المسلمون (السُّنَّة) والمسيحيون”.

يريد المسيحيون من المسلمين السنة في لبنان رفض أي محاولة لتطويقهم أو قضم دورهم في المعادلة الوطنية والحفاظ على الشراكة الاسلامية – المسيحية في زمن تتغير فيه الدول، من هنا يتحتم على الجميع حفظ رؤوسهم، فهناك من المسيحيين مَنْ يعتبر أن الزعامات المسيحية تقلصت لصالح رجال الأعمال والفكر السياسي اندثر بين صخور المصالح الشخصية، فإلى حين عودة المسيحيين إلى رشدهم يطلب من السُّنَّة التمسك بالدور المسيحي والحفاظ على شراكته في صناعة الوطن.

لا يقاسون بعدد نوابهم ولا بحجم مشاركتهم في السلطة بل بالدور الذي يلعبونه في محيطهم حول العالم، فأمة المليار و500 مليون نسمة لا يمكن ابتلاعها بمشروع سياسي يرتكز على عناصر طائفية وتمييزية، إنهم المسلمون السُّنَّة الذين يقودون مشاريع بناء المجتمعات التي ينتمون إليها عبر الانفتاح والحوار والشراكة ويؤمنون بالتعددية وحرية الآراء والمعتقدات. وها هم مسيحيو لبنان ينتظرون تكرار تجربة ميثاق بشارة الخوري ورياض الصلح أو وحدة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير والمفتي حسن خالد أو مشهدية رفيق الحريري الذي كان لنا في عهده وطن، فهل يتكررون؟

شارك المقال