“اسرائيل الى زوال” معتقد يهودي… وجبهة الجنوب على الزناد لكن ليس الآن؟

ليندا مشلب
ليندا مشلب

اذا ما انتقلت اسرائيل من التردد في قرار اجتياح غزة الى الحسم ببدء المعركة العسكرية، فستفتح كل الجبهات، واذا فتحت فستدخل الولايات المتحدة في المعركة بالمباشر، واذا دخلت فستكون آخر حروب المنطقة وستنتهي بزوال اسرائيل. هذا ليس تقديراً للوضع ولا توقعاً ولا احتماليات ولا شعارات لمحور المقاومة، انها تنبؤات عقائدية مذكورة في كتب ومراجع دينية، والكيان الصهيوني قائم على التنبؤات الاسرائيلية التي تتحدث عن اضمحلال الدولة الاسرائيلية وانهيارها وهزيمتها من الداخل، وهذا الكلام يصدر عن مؤرخين وفلاسفة تابعين لتيارات فكرية مختلفة ومنهم من شغل مناصب عليا في الدولة، ومن بين المتنبئين المؤرخ الاسرائيلي بيني موريس أستاذ التاريخ في جامعة بن غوريون الذي توقع صورة قاتمة لنهاية إسرائيل وتحدث عن أفق زمني لهذه النهاية المحتومة كما يؤكد. وموريس من المؤرخين الجدد الذين يعتبرون أن سياسة التطهير العرقي مشروعة لأن على اليهود اعتماد كل الوسائل لحماية أنفسهم، فيما آخرون يرون أن اليهود يذنبون في كتابة النهاية “المأساوية” لدولتهم بأيديهم.

كما يبرز اسم أبراهام بورغ السياسي الاسرائيلي المخضرم ورئيس الكنيست (البرلمان الاسرائيلي) سابقاً، الذي أثار عواصف في الرأي العام الاسرائيلي على مدى سنوات بآرائه وكتبه التي حذرت من توافر أسباب زوال إسرائيل.

وليس بعيداً من الزمن حين أبدى رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهداً في ذلك بـ”التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين”.

وفي مقاله الشهير بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية قال باراك: “على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن”.

أضاف: “إن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة، وهي الآن في عقدها الثامن، وإنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها”.

وعلى المقلب الفلسطيني، سجل الباحث الفلسطيني بسّام جرّار في كتابه “زوال إسرائيل 2022” حكاية يروي فيها عن المفكر الاسلامي العراقي محمد الراشد، أنه عندما أُعلن عن قيام دولة “إسرائيل” عام 1948م، دخلت عجوز يهودية على والدته أم محمد الراشد، وهي تبكي، فلما سألتها عن سبب بكائها وقد فرح اليهود، أجابت: “ان قيام هذه الدولة سيكون سبباً في ذبح اليهود”. ثم يقول الراشد انه سمعها تقول: “ان هذه الدولة ستدوم 76 سنة”.

واستناداً الى كتاب “الجفر” يروى أن إسرائيل ستزول لكن بعد أن تتدخل أميركا في معركتها وستكون حرباً دموية تنتهي بالهزيمة الكبرى.

لا يمكن إغفال هذه المعتقدات التي تحكم سلوكيات الغالبية العظمى في العالم، اما الواقع فيرسم صورة قاتمة لمصير الحرب على غزة والتي جنّدت المحاور معها، فيما يبرز بصورة قوية جداً الدور الأميركي الذي دخل بقوة على المعركة، والبيت الأبيض يمضي “ليالي بيضاء” في متابعة قدر “أسود” ربما تدخل فيه أميركا مرغمة لا بطلة.

وينقل أحد الوسطاء في الاتصالات التي تجريها واشنطن مع مسؤولين في لبنان أن أميركا جدية جداً في تلويحها بدخول حرب ولو أن أحداً لا يريدها سوى إسرائيل التي تخوضها لحفظ ماء وجهها ولو على قاعدة “عليَّ وعلى أعدائي”، ويقول لموقع “لبنان الكبير”: “ان السفيرة الأميركية دوروثي شيا لمست من المسؤولين في لبنان معنويات عالية جداً وقناعة بأن إسرائيل ستخسر الحرب اذا دخلتها جنوباً، وحتى في غزة، وهدفها ازالة حماس شبيه بهدف محو حزب الله عام 2006، أين حزب الله الآن؟ لقد تعاظمت قوته وترسانته أكثرمن أي وقت مضى”.

أوراق الحرب

ولدى سؤالنا عن دوافع انزلاق أميركا الى حرب كهذه، يجيب مصدر أمني رسمي على بيّنة من الاتصالات القائمة لموقع “لبنان الكبير”: “أهمية ماء وجه اسرائيل لنتنياهو توازي حبر الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأميركية بالنسبة الى بايدن الذي يتكل على كتلة اليهود الناخبة وهي أساسية”.

وما البوارج الأميركية في عرض البحر الا دليلاً على أن الوضع في إسرائيل عاد الى ما قبل الـ 1973 عندما كانت أميركا تتعاطى معها على أنها قاعدة عسكرية تابعة لها، لكن التوجس من نتائج العملية البرية هو الذي يفرملها، فالدخول الى أحياء ومخيمات وشوارع مكتظة ليس سهلاً، والجيش الاسرائيلي أصبح مسكوناً بشبح “حماس” ومفاجآتها وهذا يفسر التردد وليس الطقس كما ادعوا.

في الحروب تقاس كل النقاط وفق حسابات الربح والخسارة ومن الواضح أن الاحتلال يعيش خللاً في هذا التوازن، ولو أراد فتح مطار بن غوريون ساعة واحدة لوجد أن مخططه لتهجير فلسطينيي غزة سينقلب على شعبه، أما استعادة قدرة الردع فأصبحت مستحيلة، والبعد المعنوي للحروب أحياناً أقوى بكثير من الحرب نفسها.

جبهة الجنوب… على الزناد؟

يقول المصدر: “ان كل الحديث عن أن جبهة الجنوب لن تفتح وأن لا أحد من الطرفين سيخوضها، تحليلات تستند الى أمنيات وتنطلق من أن فرضية الحرب يتجنبها الطرفان: حزب الله لأنه يعلم أن لبنان عام ٢٠٠٦ يختلف عن لبنان المنهك على كل المستويات عام ٢٠٢٣، والحزب فقد الكثير من البيئة الحاضنة ولن يذهب على الحدود أبعد من حالة إشغال العدو ضمن قواعد الاشتباك. والعدو لأنه يخاف صواريخ حزب الله ولا يريد فتح جبهتين وهو يركز حالياً على القضاء على حماس. اما الحقيقة فهي أن المعركة أصبحت أكبر من حسابات دولة والمنطقة كلها على فوهة بركان وقرار الحرب استراتيجي وليس محلياً. انها معركة وجود وستكون طاحنة ولن تقف الدول المنغمسة في الصراع وقفة المتفرج، واللي بيبقى عايش بخبر، أما اذا سلكت المعركة مسلك التفاوض بعد عدول إسرائيل عن خوضها العملية البرية فسيكون التفاوض لصالح الفلسطينيين لكن الأمور لن تستقيم بين الطرفين الا بحرب شاملة آتية عاجلاً أم آجلاً لأن الحل السياسي لن ينجح والمعركة طويلة وستمر حتماً بتطورات كبيرة”.

على أي حال الحدث الفلسطيني في السابع من نوفمبر (تشرين الأول) وما تلاه غيّر كل شيئ، وأتى على حدود التموضعات، والمنطقة تعيش حالياً سباقاً محموماً بين الحراك الديبلوماسي الذي يحاول ايجاد مخارج، وبين الآلة العسكرية التي تضع يدها على الزناد… فلمن ستكون الكلمة؟

شارك المقال