من يدفع الجيش اللبناني إلى الاستقالة من الدفاع عن الجنوب؟

جورج حايك
جورج حايك

يكاد يمضي 12 يوماً على بدء الاحتكاكات العسكرية بين اسرائيل و”حزب الله” على الحدود الجنوبية، لم نسمع خلالها أي تدخّل للجيش اللبناني وكأن هناك قراراً يمنعه من ممارسة واجب الدفاع عن الأراضي اللبنانية، أو لنقل ان الحرب ليست حربه، بل تعرف قيادة الجيش أن ما يحصل أكبر من لبنان، بل هو صراع محاور ودول اقليمية، وبالتالي هناك ألف سبب وسبب يمنع الجيش من إقحام نفسه في حرب ليست في مصلحة لبنان وشعبه.

لا شك في أن المؤسسة العسكرية تتبع السلطة السياسية، وليس مسموحاً أن تتخطى قراراتها، ومن الواضح أن ما قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يعبّر عن واقع كل مؤسسات الدولة اللبنانية المعطّلة بما فيها الجيش: “قرار السلم والحرب ليس بيدي ولا بيد الحكومة، ولكنني أقوم بمسعى مع كل الفعاليات لعدم جرّ لبنان إلى الحرب”.

صحيح أن هذا الكلام يُظهر الدولة وكأن “لا حول لها ولا قوة”، لكن ما لم يقله ميقاتي وبقي في فمه أن قوى الأمر الواقع المسلّحة أي “حزب الله” هو من يُمسك بقرار السلم والحرب، وهذا ما يُبرر غياب الجيش اللبناني عن الساحة.

لكن الدستور اللبناني واضح ولا يقبل الالتباس والتأويل وينص على أن “المهمة الأساسية للقوات المسلحة هي الدفاع عن الوطن…”، ولم يأتِ على ذكر “حزب الله” أو سواه. أما البيان الوزاري الأخير فلم يذكر معادلة “جيش وشعب ومقاومة”، بل أكّد إحترام الشرائع والمواثيق الدولية التي وقّع لبنان عليها وقرارات الشرعية الدولية كافة، وتأكيد التزام تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وينصّ أيضاً على “تأكيد الدعم المطلق للجيش والقوى الأمنية كافة في ضبط الأمن على الحدود وفي الداخل وحماية اللبنانيين وأرزاقهم وتعزيز سلطة الدولة وحماية المؤسسات”.

إذاً، ما يحصل اليوم على الحدود لا علاقة له بالدستور ولا بالبيان الوزاري، بل يقوم “حزب الله” بتخطي كل الاتفاقات الدولية والمحلية تحت شعار “وحدة الساحات” الذي أطلقه محور الممانعة بقيادة إيران.

واللافت أن الجيش ينتشر في الجنوب ميدانياً إلا أنه لم يطلق رصاصة أو قذيفة في الاشتباكات الدائرة على الحدود، ولا اسرائيل حاولت استهدافه، بل كل المناوشات والعمليات العسكرية كانت بين “حزب الله” واسرائيل ضمن قواعد الاشتباك السائدة منذ العام 2006. ولم يتمكّن الجيش من منع بعض الفصائل الفلسطينية من إطلاق الصواريخ نحو اسرائيل.

هل هذا الأمر يعني استقالته من مهمته في الدفاع عن الجنوب؟ يجيب العميد المتقاعد وهبي قاطيشا: “الجيش ليس مستقيلاً، إنما يتحرّك في حدود الصلاحيات التي أعطيت له، لكن قوى الأمر الواقع المتمثّلة بحزب الله تعمل بأجندة خارجية وتتحرّش أحياناً باسرائيل لتبعث رسائل في إتجاهات عديدة، وهذه القوى تمنع الجيش من القيام بمهمته”.

ويلفت قاطيشا إلى أن “الجيش لو كان مسيطراً على الحدود من دون منازع، لا يمكن أن تتطوّر الأمور إلى اشتباكات، وذرائع الحزب واهية عندما يتحجج بعدم توافر السلاح المناسب والمتطور مع الجيش، فهل الجيش الليبي أقوى من الجيش المصري؟ وهل المصري أقوى من الاسرائيلي؟ لو كان معيار الدول بالسلاح النوعي وامكانات الجيش لكانت اضطرت كلّها إلى تأسيس ميليشيات إلى جانب جيوشها، هذا كلام باطل، فالدفاع عن الأوطان يبدأ سياسياً وديبلوماسياً ثم نذهب إلى الخيارات العسكرية. ويبقى الجيش اللبناني أكثر فعالية من أي ميليشيا ولو أن إمكاناته غير كبيرة، فهو يمثّل الدولة ومدعوم من كل الشعب اللبناني، أما هم فليسوا سوى عصابات”.

في الواقع، لا سبب لأي مواجهات بين اسرائيل والجيش اللبناني، ويوضح قاطيشا أن “أي جيش لا يمكنه أن يعتدي على جيش آخر، لأن مجلس الأمن بإمكانه أن يتدخّل ويضع حداً لمثل هذه الاحتكاكات، فيما إذا حصلت احتكاكات بين ميليشيا مثل حزب الله واسرائيل، فلا شيئ يردع الأخيرة عن قصفه بإعتباره ليس مؤسسة عسكرية تمثّل الدولة اللبنانية، وفي الواقع هناك تبادل خدمات بين اسرائيل والحزب، فرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يبرر ذلك بالخطر على الجبهة الشمالية، والحزب يبرر بأنه يدافع عن لبنان”.

والمستغرب أن الدول الكبيرة لم تطلق أي موقف تسأل فيه عن الجيش اللبناني ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية التي يبدو أنها لا تريد إقحام الجيش في هذه المواجهات، ويستطرد قاطيشا: “كل الدول بما فيها أميركا تعرف أن حزب الله يسيطر على الدولة اللبنانية ويُحرّك من إيران، إضافة إلى ذلك، تعلم عواصم القرار أنه إذا ضُرِبَ الجيش فلن يعود هناك لبنان واحد إنما لبنانات!”.

لكن المخاوف الأساسية على الجيش اليوم تكمن في إنزلاق لبنان إلى حرب دموية مع اسرائيل بقرار ايراني، ويشير قاطيشا إلى أن “هذا الأمر إذا حصل، فسيورّط الجيش في حرب لا علاقة له بها لعدم امكانه البقاء على الحياد، إلا أنه سيتأذى كثيراً لأن مواقعه مكشوفة، كما أن قدرات الجيش اللبناني وحزب الله لا تقارن بقدرات الجيش الاسرائيلي. هذا لا يعني أنه لن يقاتل في حال اندلعت الحرب، على العكس جيشنا يدافع بلحمه الحيّ عن أرضه وشعبه، لكن للأسف لن تكون الحرب لمصلحة لبنان وليس هو الذي يقرر توقيتها وظروفها”.

شارك المقال