الاجتياح البري لغزة (٣)… نقاط الضعف والتردد

زياد سامي عيتاني

يجمع المراقبون والمتابعون عن كثب لتطورات الحرب التدميرية الابادية على غزة، على أن رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على عجلة من أمره لعملية برية واسعة يعيد من خلالها إعادة الاعتبار اليه والى جيشه بعد الضربة القاسية التي شكلها نجاح عملية “طوفان الأقصى”. وفي هذا الاطار، أكد دانيال هاغاري، وهو متحدث عسكري باسم الجيش الاسرائيلي، أن الجيش “عرض خطة عمل” على مجلس الوزراء، موضحاً أن وضع قطاع غزة بعد الهجوم الاسرائيلي المزمع سيكون “قضية عالمية” مطروحة للنقاش الدولي. وقال رداً على سؤال عما إذا كانت إسرائيل ستحتل القطاع بالكامل: “لدينا كل التصورات النهائية”.

لكن الشكوك كبيرة جداً حول قدرة الجيش الاسرائيلي على القيام بهذه المهمة بنجاح، بحسب محللين سياسيين وعسكريين أوروربيين. وتتوزع هذه الشكوك على مستويين:

– الأول: قوة المقاومة الفلسطينية في غزة، إذ تقول صحيفة “Le temps” السويسرية، إن الجيش الاسرائيلي يواجه عدواً لا يمكن اختراقه، فـ “حماس” هي واحدة من أكثر الحركات سرية في العالم، والاستخبارات الاسرائيلية تواجه صعوبة كبيرة في الحصول على معلومات من غزة، وبالتالي من المستحيل تقدير العدد الاجمالي للمقاتلين الذين ستواجههم إسرائيل إذا دخلت غزة.

– الثاني: المشكلة التي تواجهها إسرائيل في حال قررت الهجوم البري الواسع، هي مستوى الموارد العسكرية ومخزون الذخائر المنخفض للأسلحة المختلفة. الحرب عن بعد كانت منذ أكثر من عشرين سنة هي الاستراتيجية الاسرائيلية، لأن القوة الرئيسة لجيشها هي قواته الجوية التي سمحت لاسرائيل في السنوات الأخيرة بتنفيذ عمليات ضد قطاع غزة من دون تعريض جنودها لمخاطر كبيرة، لكن ذلك لم يكن دائماً فاعلاً في بيئة معقدة.

أما في حال قررت إسرائيل هذه المرة المضي بصورة مختلفة في عملية تشمل دخول قوات برية إلى غزة، وهو رهان محفوف بالمخاطر لأن جيشها لم يشن عمليات توغل برية على مدى السنوات الـ 15 الماضية إلا بطريقة سريعة للغاية على أهداف محددة للغاية وأدت كلها إلى خسائر كبيرة على الجانبين. وهذا ما أكده الكاتب الأميركي توماس فريدمان في عموده بصحيفة “نيويورك تايمز”، بأن “غزو إسرائيل لغزة قد يحوّل الهزيمة التكتيكية المذلة التي مُنيت بها تل أبيب على يدي حركة حماس إلى أزمة إستراتيجية أخلاقية وعسكرية طويلة الأمد”. ورأى الكاتب أن “رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مؤهل لادارة هذه الحرب كلاعب عقلاني”.

في المقابل، إعتبر الأدميرال عامي أيالون الرئيس السابق للشين بيت، (جهاز المخابرات الداخلية الاسرائيلي) أن “لا بديل لهجوم بري، لأن حماس منظمة للغاية، وهي حركة اجتماعية، وعلينا أن نقاتل جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسام، وأن نضمن أنه لن تكون هناك بعد الآن هذه القدرة العسكرية الهائلة على أعتابنا، وهذا يتطلب عملية عسكرية ضخمة، ولا خيار أمام إسرائيل سوى تدمير كتائب عز الدين القسام”.

بين المؤيدين والرافضين للقيام بغزو غزة، فإن ثمة عوائق عسكرية إستراتيجية، تشكل نقاط ضعف لدى الجيش الاسرائيلي، لا يمكن له تجاهلها، خصوصاً وأنها ستتحول الى نقاط قوة لدى المقاومة:

– نقص القنابل الموجهة: نقطة الضعف الحقيقية للجيش الإسرائيلي اليوم، هي عدد القنابل والصواريخ الموجهة لديه والضرورية على المستويين الهجومي والدفاعي، علماً أن لديه مخزوناً للذخيرة الأميركية على أراضيه يشمل أنواعاً مختلفة من الأسلحة كالذخائر الدقيقة وقذائف المدفعية وقاذفات القنابل اليدوية، وقد سحب منه الجيش الاسرائيلي مرتين في عمليات عامي 2006 و2014، ولكن واشنطن سحبت منه ما يعادل 300 ألف ذخيرة كجزء من دعمها لأوكرانيا، ومن هنا جاء طلب إسرائيل الحصول على المساعدات الأميركية، وهي في طور التسليم الآن.

– نقص التدريب الجيد للمشاة: يمكن للجيش الاسرائيلي، الذي يمتلك قوة مشاة آلية قوية بسبعة ألوية يتألف كل منها من نحو 3 آلاف رجل، أن يشن هجوماً برياً، وذلك بالتقدم من دون استخدام حارات المرور المكشوفة، بل عن طريق تدمير جميع المباني الموجودة في طريقه، وهو ما يفرض تقدماً بطيئاً للغاية. لكن هذا النوع من العمليات يحتاج إلى جنود مدربين تدريباً عالياً، في حين أن معظم قوات إسرائيل العاملة من المجندين (نحو 100 ألف شخص)، وما لم ترسل على الفور ألوية احتياطية، فسوف تجد صعوبة في نشر أكثر من 30 ألف جندي على الأرض، مقابل قدرة “حماس” على جمع ما بين 7 آلاف و10 آلاف مقاتل مع عدد مماثل من مقاتلي الفصائل، وذلك على أرض معدة وملغمة بالعبوات الناسفة.

– تمرد جنود الاحتياط: إسرائيل باتت تجد نفسها أمام معضلة حقيقية في ما يتعلق بالحرب البرية، التي أظهرت مُعطيات إسرائيلية، أنّها غير مرغوبة للعديد من الأسباب، أولاها الخوف من وجود عدد كبير من القتلى، وثانيها تفضيل الجنود عدم خوض الحرب البرية، بحيث أظهرت المُعطيات قلقاً كبيراً لدى المؤسسة العسكرية، اذ ارتفعت نسبة الرافضين للمشاركة في الوحدات القتالية الى 33%، صيف العام 2014، في ظل اتهامات للجيش، بأنّه لم يكشف الارقام الحقيقية. والأرقام أكثر خطراً، عند التطرق الى سلاح المدرعات، والتي سُجن بسبب الرفض في دخولها العشرات من الجنود، وتُشير الأرقام إلى أنّ النقص في هذه الوحدات يتم ملؤها من غير المسجلين للخدمة فيها.

وفي هذا السياق، نذكر بأن أعداداً كبيرة من جنود الاحتياط تمردوا على القيادة ورفضوا الالتحاق بوحداتهم العسكرية، خلال الاحتجاجات العارمة التي شهدتها إسرائيل من جراء القرار القضائي لنتنياهو.

نستنتج من هذه المعطيات، أنّ الجيش الاسرائيلي المتفوق في التكنولوجيا العسكرية، بحيث يحتل الموقع الخامس عشر عالمياً، وفقاً للتصنيف العالمي، يجد نفسه اليوم في مأزق كبير خلال مواجهته المفتوحة مع غزة، خصوصاً على الصعيد البري، التي هي أقرب إلى حرب إستنزاف طويلة، إذ ان الجيش الاسرائيلي اعتاد استراتيجية الحروب الخاطفة والسريعة، التي أصبحت شيئاً من الماضي، ما يقتضي إعتماده على الجيش البري، الذي توضح المعطيات عدم جهوزيته. وهذا ما يُفسر التردد والخلاف والتخوّف الاسرائيلي بشأن اجتياح غزة، التي قد تسبب كماً كبيراً من القتلى في صفوف الجنود، وهذا الأمر غير محتمل حتى من ناحية مجتمعية.

شارك المقال