“رائحة الحرب” تُقلق الطرابلسيين… تخزين الطحين وتجهيز الحقائب

إسراء ديب
إسراء ديب

يخشى الكثير من الطرابلسيين اندلاع حرب قريبة ضد العدو الاسرائيلي الذي يُهدّد باستمرار البلاد والحدود الجنوبية التي يعيش أهلها هذا الهاجس، إذْ لا تزال المناوشات العسكرية قائمة بين “حزب الله” واسرائيل، من دون أيّ تقدّم أو موقف سياسي واضح يُحدّد وجهة هذه الضربات ومصيرها مع “المنحدر” الخطير الذي وصلت إليه عملية “طوفان الأقصى” اثر تمادي العدو في ضرباته الوحشية التي طالت مستشفى المعمداني مساء الثلاثاء، هذه الجريمة التي فتحت “أبواب جهنم” سياسياً وعسكرياً، تُشكّل خطراً واضحاً على هذه القضية، إضافة إلى أبواب اقتصادية ومعيشية دفعت البعض إلى خيار تخزين المواد الغذائية قبيل أيّ حدث متوقّع.

ويُدرك المواطنون جيّداً أنّ هذه الحرب إنْ اندلعت لن تكون كسابقاتها، فلا يخفى على أحد أنّ أيّ ضربة عسكرية أو أمنية في طرابلس وخارجها، ستحمل تداعيات سلبية وربما كارثية على أهالي المدينة الذين يُواجهون أزمات اقتصادية لا يُمكنهم التنصّل منها أو تجاوزها بسهولة، فمنذ أيّام شهدت المدينة احتراق سوق “البالة” التي كانت تعوّل عليها عائلات عديدة من دون الحديث عن تعويض يُعيد الأرزاق إلى أصحابها. ومنذ أعوام تُواجه المدينة فوضى أمنية واجتماعية خرجت عن سيطرة أيّ خطّة أمنية لم تكن صلبة أساساً مع تمادي مافيات السرقة والتعدّيات و”غسل” الدّولة يدها من هذه المدينة. لذلك وخوفاً من أيّ حرب يتوقّع الأهالي أن تتخلى فيها الدّولة عنهم، سواء أكان من جهة تعويض الخسائر، أو تنفيذ إجراءات احترازية ووقائية لحماية مقدّرات البلاد وشعبها من جهة ثانية، لوحظ توجّه طرابلسيين إلى المتاجر لتخزين الطحين بصورة رئيسة، إضافة إلى شرائهم مواد غذائية مختلفة تحسباً لأيّ تطوّر.

سجلّت حنان م. (42 عاماً – أم لـ 4 أولاد) كلّ متطلّبات منزلها على ورقة كيّ لا تغفل عن شراء أيّ سلعة أو مادّة مهمّة في المنزل، إذْ تُحاول هذه السيّدة التي تعيش في البداوي قدر المستطاع، أن تسابق الأحداث كيّ لا تضطر فيما بعد الى الوقوف في طوابير طويلة للحصول على السلع، وتقول لـ “لبنان الكبير”: “القلق يكمن في قيام بعض التجار باحتكار المواد عند فتح الجبهة العسكرية جنوباً أو قيامهم باستغلال الوضع لرفع الأسعار بطريقة جنونية كما حدث سابقاً، ولهذا السبب نضطر إلى شراء الطحين، السكر، الأرز، البرغل، الزيتون، وغيرها من المواد لتخزينها في المنزل”.

وتُحاول أم فرح (58 عاماً)، التي تُربّي أحفادها في منزلها بعد وفاة ابنتها في حادث سير منذ أعوام، تحمّل مسؤولية شراء “المونة” قبل الحدث المرتقب، بحيث تُشدّد لـ “لبنان الكبير” على خطورة الوضع في لبنان، مشيرة الى أنّ الأسعار ترتفع بصورة واضحة، “فأنا لا أدرك كيفية احتساب الأسعار أو مقارنتها، لكنّني ألاحظ تعمّد رفعها في كلّ مرة نواجه فيها أزمة، لكن في وقتٍ يكثر فيه الحديث عن احتمال اندلاع حرب، سأشتري الطحين لتخزينه في المنزل كما البطاطا، لأنّهما يبقيان مطلبين مهمّين في حال الطوارئ سواء أكنا نتحدث عن حرب، قطع طرق، حصار وضربات معيّنة”.

يُمكن القول، إنّ حركة تخزين المواد الغذائية في زمن الحرب والمعارك، تُذكّر الطرابلسيّين بالحرب الأهلية اللبنانية، حينها كان يضطر الأهالي إلى الاختباء والبقاء في منازلهم أو أماكن لجوئهم لأيّام أو لأسابيع عدّة، الأمر الذي دفعهم إلى تخزين السلع المتاحة للاستخدام في المأكل والمشرب في تلك الفترة العصيبة، لكن بعد اندلاع حرب غزة التي يتحسّر أهلها على فقدان الماء، الطعام والكهرباء، عادت هذه الظاهرة لتطفو على سطح الأزمات المتتالية محلياً (ولو بنسبة قليلة) من جديد، ودفعت العشرات من الشماليين إلى تأمين ما تيسّر لهم من المواد التي لا تقتصر على الطحين فحسب، بل تصل إلى الخوف من انقطاع المحروقات، الزيت، والحليب الذي تُعدّ خسارته خطيرة للغاية، بسبب حاجة الأطفال إليه، وهذا ما يُؤكّده عامر د. ابن باب التبانة (36 عاماً) لـ “لبنان الكبير”، قائلاً: “لا أنفي خوفي على مستقبل ابني الرضيع، لذلك أحاول في كلّ مرة أحصل فيها على مبلغ ماليّ شراء الحليب المخصّص له، ومع ارتفاع الأسعار الفاحش، أقسم أنّنا لا نميّز بين اندلاع الحرب من عدم اندلاعها، لأنّنا اعتدنا حرباً نفسية ومعيشية باتت تخنقنا، لكن ما يلوي ذراعي بطبيعة الحال ابني الذي لا ذنب له، ولا أطيق رؤيته في حال صعبة كحال أبناء القطاع الذي يُواجهون المرارة بين الحياة القاسية والموت”.

ولا تقتصر الأزمة على فكرة تأمين الغذاء فحسب، بل يُؤكّد بعض المتابعين لـ”لبنان الكبير” أنّهم يقومون بتوضيب أغراضهم كلّ ليلة خوفاً من تلقّي ضربة من العدو، ويوضح أحدهم (من الزاهرية – طرابلس)، أنّ والدته تقوم بتجهيز بعض قطع الثياب، الجوارب، جوازات السفر، مع الهويات والأوراق الرسمية ووضعها في حقيبة سفر صغيرة يُمكنهم نقلها سريعاً عند الحاجة.

إنّ القلق الذي تعيشه المدينة لا ينكره أيّ طرابلسيّ في شوارعها، بحيث يُردّد المواطنون أنّ “الوضع كان سيئاً وسيكون أسوأ في الأيام المقبلة”، أو أنّهم “مقبلون على أيّام صعبة للغاية”، وهو ما يُشير إليه متابع سياسيّ شمالاً، كان رصد تغيّرات في الشارع المحلّي مع بداية “طوفان الأقصى”، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ طرابلس لا تخشى موقفها العروبي الموحد، لأنّها كانت ولا تزال ركناً من أركان هذه النظرية أو العقيدة الثابتة، لكن الوقاية من تداعيات الحرب إن حدثت تبقى أهمّ، خصوصاً وأن لا ملاجئ متاحة وحديثة في هذه المدينة التي عانت من مواجهات متنوّعة، وفعلياً إنْ قام العدو بضربنا يُمكن أن يضرب الجسور كعادته، واستهداف مختلف المنشآت الموجودة وأبرزها مرفأ طرابلس والذي ستكون عملية ضربه كارثة لا اقتصادية فحسب، بل بيئية أيضاً بسبب قربه من جبل النفايات السام والذي سبق أنْ هدّد آلاف الطرابلسيين والنازحين القاطنين في المدينة، عدا عن العجز الكبير في احتمال نقل النّاس إلى أماكن آمنة، ففي العام 2006، توجه بعضهم إلى مدارس سوريا لفترة وجيزة لا تتجاوز الشهر، لكن في وضع سوريا الأمني والسياسيّ وعوائق حدودنا الأمنية، كيف يُمكن الهرب من الواقع؟”.

شارك المقال