التهجير بالمجازر في انتظار المعركة البرية

زاهر أبو حمدة

تهدف المجازر الاسرائيلية في غزة، ليس الى القتل والقتل الكثير وحسب، إنما الى تثبيط العزائم وتهبيط الهمم وبث بذور التشاؤم وزرع الرعب عند من بقوا أحياء لينقلوا ما شاهدوا أي نقل الرعب إلى العقول والقلوب. هذا حدث في مجازر 1947 – 1948 ليهرب الفلسطينيون من قراهم ومدنهم. وحصل في نكسة 1967 واجتياح لبنان 1982 ليبعدوا كل من هو فلسطيني عن حدود بلاده. هذه الوقائع نموذج لما يُريده الاحتلال حالياً في غزة، أي التهجير نحو سيناء والتخلص من أكبر قدر من الكتلة السكانية في القطاع.

وكي يصل الاحتلال إلى هدفه، يعني أنه سيدخل في مواجهة مع مصر لناحية المنطقة الرخوة بالنسبة الى القاهرة أي سيناء. لكن هذا المشروع فاشل منذ بدايته لأن القصف لا يُهجر الناس. ما حصل في حالات التهجير في التغريبات الفلسطينية في النكبة أو النكسة أو اجتياح لبنان، كان جيش الاحتلال يتقدم ميدانياً يعني أن الجنود يدخلون الشوارع والبيوت ويستنزفون البيئة الحاضنة والقوة المقاومة. لكن في حالة غزة لم يحصل هذا حتى الآن، ومن المرجح ألا يحصل.

صحيح أن القصف والقتل عن بعد مستمران، أو ما يسميه قادة الاحتلال العسكريون: القتال بالملاقط، لكن من دون التقدم برياً. ويبدو الاحتلال أمام تخبط وتردد وتهيب وعدم حسم مسألة الاقتحام البري وكيفية فعل ذلك والعمق المطلوب داخل غزة، ويتضح أن جيشه يخاف من الأرض وما خبأته له في باطنها من مفاجآت وضربات. ومع ذلك هناك بعض مؤشرات وقرائن على بدء العمل البري قد تحدث كلها أو بعضها، تبدأ بكثافة حركة طيران مأهول ومسيّر وكثافة وجود للقطع البحرية قبالة غزة، تضاف إليها زيادة وتيرة استهداف المناطق الوسطى والجنوبية لقطاع غزة بهدف تثبيت القوات المقاومة فيها. وتمكن الاحتلال من نقل الجهد الناري وتركيزه على الحافة الأمامية للمناطق السكنية في منطقة الجهد الرئيس له أي المنطقة المحصورة بين الحدود الشمالية لقطاع غزة وخط كارني – نتساريم – الشيخ عجلين.

ويواصل الاحتلال القصف وتكثيفه على الحدود السكانية الأمامية لجبهة المقاومة من دون انقطاع تقريباً. ويحاول إبقاء الغارات الجوية على وسط منطقة العمليات بالتزامن مع باقي الجهود النارية الأخرى بهدف ارباك مؤخرة قوات المقاومة مع محاولات فتح ثغرات وبوابات في الجدار الحدودي تخدم السرعة في تقدم القوات. 

وعلى الرغم من كل سياقات الميدان تبقى بعض الشروط للبدء الفعلي بالعمل البري أهمها: التأكد من عدم وجود مقاتلين فلسطينيين في غلاف غزة أو خلايا نائمة ممن دخلوا في 7 تشرين الأول خوفاً من التفاف على القوات المهاجمة للقطاع. أما أخطرها فهو عدم وجود معلومات مؤكدة لكمائن المقاومة كما لا يعرف الاحتلال مكان الأسرى. في المقابل، يريد الاحتلال الانتهاء من استقبال الرؤساء الغربيين وايجاد مخرج للوضع الانساني كما طالب الرئيس الأميركي جو بايدن، ومن ثم يمكنه تنفيذ قرار الدخول البري. ومع كل التهويل الاسرائيلي لذلك، لا يضمن ماذا سيواجه فإذا كان عمل المقاومة في الهجوم كما شاهد العالم، فكيف سيكون في الخطة الدفاعية؟ وهنا يمكن لطبيعة الميدان وجغرافيته أن تكونا في خدمة المقاومة وهذا ما حصل في اجتياح عام 2014، وحالياً يخسر الاحتلال صورة الردع ومن المحتمل أن يخسر القدرة على استعادتها إذا تورط في وحل غزة.

شارك المقال