الاجتياح البري لغزة (٤)… على ماذا ترتكز المقاومة في تصديها للغزو المرتقب؟

زياد سامي عيتاني

بات واضحاً أن خطة العدو الصهيوني بعد الهزيمة المدوية التي مني بها بفعل عملية “طوفان الأقصى”، وإزاء ما أظهرته من ضعف في إستخباراته ومنظومته العسكرية التكنولوجية، والتي ألحقت بجيشه الهوان وفقدان الثقة بالقيادتين السياسية والعسكرية، فضلاً عن الخلافات والتردد على مستوى القرار المركزي، هذه الخطة تعتمد على القصف الوحشي التدميري المتواصل على قطاع غزة، بهدف القضاء على قدرات فصائل المقاومة، أو بالحد الأدنى إلحاق ضرر كبير بها، بحيث لا تقوى على المهاجمة أو التصدي لأي عدوان إسرائيلي، فضلاً عن سعيها الى تحطيم الحاضنة الاجتماعية لفصائل المقاومة في غزة، من خلال مهاجمة المدنيين وتدمير البنية التحتية والخدماتية في القطاع، وبحسب إعتقاد قادتها أن إعتماد سياسة الأرض المحروقة، سيسهل على الجيش إجتياح غزة، بكلفة أقل، فيما لو إجتاحه عقب تنفيذ “حماس” عمليتها النوعية مباشرة.

وفي هذا السياق، أكد الأدميرال عامي أيالون الرئيس السابق لـ “الشين بيت”، (جهاز المخابرات الداخلية الاسرائيلي) أن “لا بد من القضاء على قدرات حماس العسكرية، لأننا نجد أنفسنا اليوم في وضع بالغ الصعوبة، فقدت فيه القدرة الرادعة لجيشنا مصداقيتها إلى حد كبير، ولتدمير الجناح العسكري لحماس، ليس هناك بديل من الهجوم البري، لأننا لا نستطيع أن نقتل مليوني إنسان تحت القصف”. وكشف أيالون “أن إسرائيل استثمرت مبالغ ضخمة من المال لضمان أن يكون جيشها هو الأقوى والأكثر كفاءة، فانهار كل شيئ في السابع من تشرين الأول، ولم يعد معظم الناس يتوقع أي شيئ من قادته السياسيين، ولكنه كان يتوقعه من قادته العسكريين، وها قد فشل ذلك”. وفي موازاة ذلك، أعلن سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان أن “عصر المنطق في التعامل مع هؤلاء المتوحشين انقضى وحان الوقت لتدمير البنية التحتية الارهابية لحماس، لمحوها تماماً من الوجود”.

وعلى الرغم من هذه المواقف الداعية الى إجتياح غزة، فإن خبراء عسكريين إسرائيليين يعتبرون أن إسرائيل اذا كانت تتفوق وتمتلك تكنولوجيا متطورة وسلاحاً نوعياً ونووياً، لكن على الجانب الآخر فإنها تعاني من نقاط ضعف قللت في كثير من الأحيان من هذا التفوّق، وتحديداً عند مواجهة تنظيمات أقل من دولة، كما كان الحال في مواجهاتها مع المقاومة في لبنان، والمقاومة الفلسطينية في غزة، حيث ليس بالإمكان في مثل هذه الحالات وبسبب التلاصق الجغرافي استخدام السلاح النووي، أو حتى راجمات الصواريخ بعيدة المدى، وذات الرؤوس التدميرية الكبيرة، مع أن إسرائيل استخدمت مئات آلاف الأطنان في حربها ضد جنوب لبنان وغزة، لكنّها لم تحسم الحرب، وهذا يعود الى أسباب مرتبطة بنقاط الضعف التي تنخر في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية.

وما يزيد من صعوبة إجتياح غزة، أن أهداف إسرائيل من الحرب في هذا الصراع ليست واضحة، وإن كان بعض المراقبين العسكريين يعتقد أن الدافع الأساس وراءها هو الحاجة إلى استعادة سمعتها في أعقاب فشل الجيش في منع الهجوم الذي شنته “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى في السابع من الشهر الجاري. كذلك، فإن الاستخبارات الاسرائيلية تواجه صعوبة كبيرة في الحصول على معلومات من غزة، و”كتائب القسام” هي جيش حقيقي يضم ما لا يقل عن 15 ألف جندي محترف، وبالتالي من المستحيل تقدير العدد الاجمالي للمقاتلين الذين ستواجههم إسرائيل إذا دخلت غزة. إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل ستجد صعوبة في نشر أكثر من 30 ألف جندي على الأرض، في وقت أن المقاومة قادرة على جمع ما بين 7000 إلى 10000 مقاتل وعدد مماثل من عناصر التنظيمات الأخرى. كل ذلك على أرض معدة وملغومة بالعبوات الناسفة، بحيث يقدر مصدر عسكري أن تصل الخسائر الاسرائيلية إلى المئات، وبالتالي هل تتحمل السلطة السياسية هذه الخسائر؟ خصوصاً أن الـ 360 ألف جندي احتياطي الذين استدعتهم إسرائيل سيكونون أمام تحد كبير، يكمن في معرفة ما إذا كان كل هؤلاء الجنود الاحتياطيين، الذين يجب توزيعهم بين غزة والحدود مع لبنان وسوريا والضفة الغربية، قادرين على السيطرة على جبهات متعددة محتملة.

وفي هذا السياق، نورد ما نقلته صحيفة “الايكونوميست” عن دانيال بايمان من جامعة جورجتاون، وهو باحث بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن حركة “حماس” متجذرة بعمق في غزة، ومغروسة في مجموعة من الجمعيات الخيرية والمدارس والمساجد، مضيفاً أن فصلها عن القطاع “مهمة أشبه بالمستحيلة”.

السؤال المركزي الذي يفرض نفسه في سياق هذا العرض: ما هي نقاط القوة والأوراق الرابحة التي تمتلكها المقاومة، دفاعاً عن غزة في مواجهة إجتياحها من الجيش الاسرائيلي؟ وعلى الرغم من السرية المطبقة التي تحيط بالعمل العسكري للمقاومة داخل قطاع غزة، فانه يمكن الاضاءة على بعض قدراتها التي تشكل عائقاً كبيراً أمام غزوها:

-القدرة على تعطيل وإفشال فاعلية المراقبة الالكترونية التي تستخدمها المخابرات الاسرائيلية لجمع المعلومات، خصوصاً وأن قادة الجناح العسكري لـ “حماس”، مثل محمد ضيف يعرفون كيفية التواصل من دون هاتف أو إنترنت، إضافة إلى أن عدداً قليلاً جداً من المسؤولين هو من يكون على علم بالقرارت العسكرية.

-إنشاء مصانع متطورة لصناعة القذائف والصواريخ والذخائر في أنفاق داخل القطاع، فضلاً عن تطور عدد من الأسحلة وجعلها أكثر نوعية.

-أنفاق حماس، تحت مدينة غزة وشمال الأراضي الفلسطينية، هي حصون حقيقية تمتد على عدة مستويات وعشرات الكيلومترات، وتأوي عشرات الآلاف من المقاتلين. ويمكن لـ “حماس” أن تفجر بعضها لإبطاء تقدم الاسرائيليين، من خلال وضع القنابل على الطرق وفي المباني، (نشر في “لبنان الكبير” مقال مفصل عنها). وكما فعلت في العام 2014، من المتوقع أن تستخدم “حماس” هذه الأنفاق بصورة هجومية لمناورة القوات وشن هجمات مفاجئة.

-القتال في التضاريس كثيفة السكان: أكثر أنواع الحرب تعقيداً وصعوبة التي يمكن توجيه الجيش لشنها، هي التضاريس المادية الكثيفة، ووجود غير المقاتلين، والقيود المفروضة على استخدام القوة التي تتطلبها قوانين الحرب، والاهتمام العالمي في كل مكان وفي الوقت الفعلي بسير المعركة. وكانت آخر مرة دخلت فيها القوات الاسرائيلية إلى غزة في العام 2014، ما يعني أن “حماس” وجماعات المقاومة لديها ما يقرب من عقد من الزمن لإعداد الدفاع عن مدن غزة. إذاً، ستواجه القوات البرية الاسرائيلية مجموعة من التحديات، بعضها يضاهي تحديات المعارك الحضرية الأخيرة، والبعض الآخر ينبع من الخصائص الفريدة للتضاريس الحضرية ووضع المقاومة الفلسطينية في غزة.

-الصواريخ: تمتلك المقاومة ترسانة كبيرة من الصواريخ وقذائف الهاون في غزة، إذ أطلقت أكثر من 5000 صاروخ في 3 أيام فقط بداية صباح السبت، في حين قدر تقرير صدر عام 2021 أن “حماس”تمتلك أكثر من 8 آلاف صاروخ، ما يعني أنه حتى لو لم تُضف الى مخزوناتها خلال العامين الماضيين، فإن لديها الآلاف تحت تصرفها لاستهداف القوات البرية الإسرائيلية.

-القتال المتواصل والقناصة: ستسعى المقاومة إلى استخدام دفاع يعتمد على القتال المتواصل، ونقاط القوة المتمثل في المباني الثقيلة من الخرسانة والصلب والأنفاق، مع الاعتماد على القناصة والأكثر مهارة في استخدام السلاح. وفي تاريخ حرب المدن، قد يستغرق مسح مبنى واحد كنقطة قوة أياماً أو أسابيع أو شهوراً.

-الرهائن: ستسعى حركة “حماس” إلى استخدام الرهائن الاسرائيليين كورقة ضغط على القوات البرية لضمان عدم استهداف بعض المناطق.

-وحدة الجبهات: يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة الاسرائيلية، والذي يجمع عليه المحللون الأوروبيون، هو في تحريك الجبهة الشمالية مع “حزب الله”، من دون إستبعاد تحريك جبهة الجولان، على قاعدة وحدة الجبهات.

في ختام هذا العرض، نورد ما تناقلته مصادر إعلامية على صلة بالمقاومة في غزة، من أنه بات في حوزة حماس “كنز” من المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها من القواعد العسكرية الاسرائيلية التي اقتحمتها، ومن بينها كل الخطط العسكرية الاسرائيلية لاقتحام غزة، والأهم قوائم العملاء وكثير مما تعرفه إسرائيل ولم تفصح عنه “حماس”…

ويبقى السؤال الأبرز، الذي يشكل مصدر القلق الكبير عند القادة الإسرائيليين: هل تمتلك المقاومة مفاجآت نوعية خلال تصديها لاجتياح غزة، ولو بتقنيات بدائية قادرة على تعطيل الآلة العسكرية الاسرائيلية بكل تفوقاتها التكنولوجية؟

شارك المقال