انكسار “حماس” مصلحة عربية وفلسطينية

أحمد عدنان
أحمد عدنان

خلال حرب تموز 2006، ظهرت مسنة لبنانية تنتمي الى بيئة ميليشيا “حزب الله” في قلب قريتها بعد أن تحولت إلى أنقاض وهي تصرخ بلهجة عامية وعفوية: الله يلعن إسرائيل ويلعن أعداءها.

الصرخة الصادقة التي أطلقتها تلك السيدة قبل 17 سنة تلخص مجريات الأحداث في غزة وتداعياتها، فالمعضلة التي يصعب تسويقها عربياً وإسلامياً – في هذه الأيام خصوصاً – أن المصالح العربية والاسلامية تكمن في أن تنكسر “حماس” في حرب غزة تماماً كما يجب أن تنكسر إسرائيل.

الجرائم التي ترتكبها إسرائيل مروعة، والمعاناة التي يكابدها أهل غزة أكبر من كل الكلام، وإن وقعت على إسرائيل المسؤولية الأكبر في مأساة غزة فهذا لا يعفي “حماس” من مسؤوليتها عن الكارثة.

أهل غزة – باختصار – يدفعون ثمناً فادحاً لمعاناة مزدوجة: الإجرام الحمساوي والإجرام الإسرائيلي ضد غزة.

في مذكرات يفغيني بريماكوف، قال: “إن تقوية حماس كانت هدفاً استراتيجياً للموساد لضرب منظمة التحرير وفتح ثم السلطة الفلسطينية، وقد حققت إسرائيل هذا الهدف إلى درجة أنه ارتد عليها”.

ربما لم تدعم إسرائيل “حماس” بشكل مباشر إلا فيما ندر، لكنها بذلت كل جهدها لإضعاف السلطة الفلسطينية منذ تجميد مفاوضات السلام ومحاصرة ياسر عرفات.

في 27 أو 28 فبراير (شباط) 2006، نشرت صحيفة “الحياة” خبراً في كعب إحدى صفحاتها الداخلية يقول إن المكتب السياسي لحركة “حماس” يرحب بتعزيز العلاقة مع إيران، وكانت نتيجة هذا الخبر، الاقتتال الأهلي في غزة 2007 وطرد السلطة الفلسطينية منها، تغاضت إسرائيل عن هذا الاقتتال ثم حولت غزة كلها إلى سجن كل النفوذ فيه لـ “حماس”.

لم تكن غزة زمن السلطة في نعيم، لكنها قطعاً كانت أفضل حالاً من أيامها في عهدة “حماس”، يكفي افتتاح مطار غزة في 1998 الذي عمل إلى سنة 2001 تقريباً، بينما أدخلت “حماس” الحرب إلى غزة نحو 5 مرات على الأقل في 15 سنة. لـ “حماس” مسؤولية مؤكدة في حصار غزة، كان حسني مبارك يقول: فلتسلم “حماس” معبر رفح إلى السلطة ليفتحه على الفور من الجانب المصري، لكن “حماس” كانت تأبى، والحقيقة أن لمبارك – رحمه الله – رأي ثاقب، إذ قال ان ما فعلته “حماس” سيختزل القضية الفلسطينية في غزة، وهذا ما حصل.

بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، دعمت “حماس” بصراحة عمليات الإرهاب في مصر وسيناء، وهذا سجل قاتم لا يمكن تجميله.

أما سجل “حماس” الثقافي والاجتماعي فلا يقل قتامة، في يوليو (تموز) 2009 اشتبكت نقابة المحامين الفلسطينيين مع الحركة لأنها أرادت فرض الحجاب على المحاميات في محاكم قطاع غزة. وفي العام نفسه اعتقلت “حماس” الصحافية أسماء الغول لأنها لا ترتدي الحجاب ولأنها ضحكت مع صديقتها بصوت مرتفع على شاطئ غزة ولأنها تجرأت وسبحت. أما في 2013 فقد وصل تطرف “حماس” إلى مرحلة الطرافة، إذ احتجزت الشرطة الحمساوية عشرات الشبان الذين يرتدون “البنطال الساحل” ويضعون الجل على شعر رأسهم ويسرحونه بطريقة “غربية”، وفي سبتمبر (أيلول) 2016 منعت الأجهزة الأمنية الحمساوية مجموعة من النشطاء من تنظيم فعالية “حرب الألوان” الترفيهية في غزة، واحتجزت عدداً من المشاركين والقائمين على هذا النشاط الذي كان من المقرر إقامته في مخيم جباليا شمال القطاع بدعوى أن هذه الأنشطة “تقليد غربي”، وفي العام نفسه حاولت “حماس” منع النساء من تدخين الأرجيلة في الأماكن العامة!

الحقائق السابقة – وعلى رأسها العمالة لإيران – أسباب جدية لضرورة انكسار “حماس”، إن حققت الحركة انتصاراً صريحاً سينعكس سلباً على الدول العربية التي خاضت حرباً قاسية في أكثر من عقدين ضد الإرهاب والتطرف، خصوصاً وأن هذه الدول تبذل جهداً مضنياً لمحاصرة الميليشيات العربية المتأيرنة، والحقيقة أن عملية “طوفان الأقصى” أحدثت غسيل سمعة سياسياً وعسكرياً لإيران وميليشياتها وللإسلام السياسي في أذهان العوام، ولكن ما يغفله الجميع أن انضواء القضية الفلسطينية تحت راية إيران و”حماس” يعني تصفية القضية نهائياً، ولعل المثل الأبرز على ذلك هو محاولة إسرائيل تهجير أهالي غزة إلى سيناء.

عملية 7 أكتوبر شكل نجاحها مفاجأة لإيران ولـ “حماس” قبل إسرائيل، لكن هذا “النجاح” لا يلغي سجل “حماس” الإرهابي والمتطرف، ولا يشرّع العمالة لإيران ولا يحولها إلى نموذج حضاري ومحترم، تماماً كما أن “نجاح” تنظيم “القاعدة” في تنفيذ جريمة 11 سبتمبر لم يحولها إلى حركة نضالية تقدمية. إن انتصار الميليشيات الإيرانية لن يعني تحرير فلسطين مهما كانت خسائر الطرف المقابل، لكنه بالتأكيد يعني غرق الدول العربية في جحيم الفوضى والإرهاب والغلو والعمالة.

أقدمت “حماس” على عملية 7 أكتوبر من دون التفكير في تأمين أهل غزة وحمايتهم، تماماً كما فعل “حزب الله” حين افتعل حرب تموز وتماماً كما فعل تنظيم “القاعدة” حين ارتكب خطيئة 11 سبتمبر، وأعتقد أن استخدام المدنيين كدروع بشرية جريمة نكراء.

فرح العوام بـ “طوفان الأقصى” مفهوم بحكم الصلف الإسرائيلي المزمن، لكن ما تبع “الطوفان” من فظائع يجعلنا ندين لامبالاة “حماس” كما ندين الإجرام الإسرائيلي. إن الدعوات العربية لوقف إطلاق النار يعني أن خسائر عملية 7 أكتوبر أكبر وأكثر من مكاسبها.

هذه الحرب لن تنتهي إلا بعد أن تشعر الأطراف كلها بأنها خسرت، أو تشعر كلها بأنها حققت المكاسب، وليت جامعة الدول العربية تطرح حلاً يقوم على:

  1. إلغاء الاجتياح البري الإسرائيلي وإيقاف العملية العسكرية عموماً.
  2. إعلان غزة منطقة منزوعة السلاح تحت حكم السلطة الفلسطينية.
  3. ترحيل عناصر “حماس” كافة إلى إيران.
  4. إنهاء محاصرة غزة نهائياً.
  5. تحرير كل الأسرى الفلسطينيين وتسليمهم الى السلطة الفلسطينية.
  6. إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين كافة.
  7. العودة الفورية من الإسرائيليين والفلسطينيين إلى مفاوضات الحل النهائي بلا قيد أو شرط على أساس حل الدولتين.
  8. وضع المقدسات الإسلامية تحت الحماية الدولية بجوار الوصاية الأردنية القائمة.

في ظل العاطفة الجياشة مع غزة وأهلها هذه الأيام، كان التذكير بخطايا “حماس” وإرهابها واجباً، اما جرائم إسرائيل فيعرفها العرب عن ظهر قلب ويرونها ليل نهار.

انكسار إسرائيل بلا شك مصلحة فلسطينية وعربية وإنسانية، أولاً لإحقاق العدالة، وثانياً لأن هذا الانكسار هو السبيل الوحيد للتخلص من اليمين الصهيوني المتخلف والمتطرف والعنصري والمجرم أقله عبر صناديق الاقتراع، وثالثاً لأن هذا الانكسار قد يدفع الناخب الإسرائيلي إلى اختيار قادة جدد يتمتعون بالحكمة وبالشجاعة من أجل العودة الجدية والصادقة إلى خيار السلام، ورابعاً لعل هذا الانكسار يقضي على شهوة الاستيطان الإسرائيلية خصوصاً وأن في المستوطنات ميليشيات من المستوطنين يشبهون في إجرامهم وتوحشهم الميليشيات المتأيرنة.

إن الانحياز في هذه الحرب المجنونة يجب أن يكون الى أهل غزة والقضية الفلسطينية، أما “حماس” – العبء على غزة وعلى الفلسطينيين – فينطبق عليها الوصف القرآني في الخمر والميسر “قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما”. إن انتصار أهل غزة وفلسطين يعني بالضرورة انكسار إسرائيل و”حماس” معاً.

شارك المقال