حتى الساعة “حماس” وحيدة ومحاصرة في غزة… أين الحلفاء؟

جورج حايك
جورج حايك

لم يعد سراً أن حركة “حماس” باتت تشعر أنها وحيدة في حربها ضد اسرائيل، وهذا ما يبدو واضحاً من مواقف مسؤوليها الذين اعتبروا أن ما يفعله “حزب الله” على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية هو الحد الأدنى، بل أصبحت معادلة “وحدة الساحات” محط استهزاء الجماهير العربية وتهكمها.

ولعل موقف رئيس حركة “حماس” خالد مشعل هو أصدق تعبير عن حسرتها، متوجهاً إلى “حزب الله”: “قام مشكوراً بخطوات، لكنّ تقديري أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري لا بأس به لكنه غير كافٍ”. ورأى انّ “المطلوب اليوم أكثر من طوفان، هكذا يصنع التاريخ، ليس بالخطوات المحدودة الخجولة المترددة، بل يُصنع بالمغامرات المدروسة”.

ويكشف إعلامي عربي مخضرم أنه وفق تصريحات مشعل، كانت “حماس” تتوقّع على ما يبدو أن يهبّ كل أهل محور “الممانعة”، من ايران الى لبنان وسوريا والعراق… الى مساندتها بعد اطلاقها عملية “طوفان الأقصى”، غير أن ذلك لم يحصل، بل على العكس!

في هذا الاطار، يجب البحث عن إيران، فهي سلّحت “حماس” ودرّبتها وموّلتها، ككل أذرعتها العسكرية في المنطقة مثل “حزب الله” و”الحوثيين” و”الحشد الشعبي العراقي” و”الفاطميين”، إلا أن هدفها أن تقوم هذه الأذرع بحروب بالوكالة عنها، ليست حروباً كبيرة تؤدي بها إلى إبادة هذه الأذرع، كي لا تخسر استثمارها، إنما حروب تعزز سيطرتها على المنطقة وتخدم مشروعها التوسعي أو تعزز أوراقها التفاوضية مع الولايات المتحدة الأميركية وعواصم القرار.

ويرى الاعلامي الكبير أن لا شيئ استثنائياً ظهر من كل قوى هذا المحور في مساعدة “حماس”، حتى ما يجري من اشتباكات بين “حزب الله” واسرائيل على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية لا يزال ضمن إطار قواعد الاشتباك، إضافة إلى التضامن بالشعارات والكلام والاعتصامات والتظاهرات التي يبرع فيها محور “الممانعة”.

ويشير إلى أن لا بد من الاعتراف بأن عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها “حماس” كانت الإنجاز الوحيد، وربما لم تكن الوحيدة التي خططت لها، وعلى الرغم من إنكار إيران تورطها في العملية، يؤكد الخبراء العسكريون أن العملية مدروسة وقد شهدت دورات تدريبية كثيفة، ولا يمكن لأحد أن يصدّق أن التدرّب والأسلحة والقدرات اللوجيستية وتعلّم قيادة الطائرات الشراعية تمّت في أنفاق غزة أو في منطقة تقع تحت أعين الجيش الإسرائيلي. لقد مارسوا هذه المهارات وطوّروها في أماكن أخرى، قد تكون لبنان أو ايران.

ويلفت الاعلامي المخضرم إلى أن عملية “طوفان الأقصى” التي استغرقت ساعات كانت الانجاز الوحيد، وبعدها تراكمت الخسائر، وها هي “حماس” محاصرة في غزة، واسرائيل مصممة على إنهائها بدعم واضح من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. في المقابل، تبدو إيران محرجة، فإذا لم تُقدم على خطوات هجومية كالمشاركة مباشرة في الحرب أو إعطاء “حزب الله” الضوء الأخضر لمهاجمة اسرائيل، ستنسف كل أدبياتها وشعاراتها مثل “وحدة الساحات” وتفقد مصداقيتها وينطبق عليها لقب “نمر من ورق”. وإذا قررت الانخراط في الحرب، فقد تخسر “حزب الله” و”حماس” معاً، وقد تسمح للولايات المتحدة واسرائيل بضرب محطاتها النووية، وعندها ستكون الخسائر فادحة ولا تعوّض.

لا يختلف إثنان على أن الأنفاس محبوسة، والجميع يترقّب ما سيحصل في غزة، ويؤكد الإعلامي الذي عاش حروب المنطقة منذ الستينيات حتى اليوم أن إيران و”الحزب” رهانهما الآن على “حماس”، حتى ولو بدأت المعركة البرية، لن يقدما فوراً على التصعيد، لأن مقاومة مقاتلي “حماس” واحتماءها بالمدنيين وجعلهم دروعاً بشرية وتزايد أعداد الخسائر البشرية قد تكون كافية لتعيد اسرائيل حساباتها، وتذهب إلى حل سياسي يحفظ ماء الوجه للجميع.

لبنانياً، كل الدلائل تشير إلى أن “حزب الله” ليس مرتاحاً كثيراً للدخول في هذه الحرب، وفي مقدمها صمت الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله المعبّر، ففي حرب بهذا الحجم إختار السكوت، لا خطابات ولا مقابلات، وهو من اعتاد خطابات نارية لأتباعه ويفعل ذلك بانتظام، تحفّظ نصر الله ملحوظ ولا يمكن أن يعني سوى شيئ واحد: لا قرار من إيران في الدخول بالحرب وليس هناك استعداد للمجازفة بـ”الحزب” الذي تكلّفت عليه كثيراً ويُعتبر خط الدفاع الأول عنها.

ويعتبر الاعلامي العربي أن المسألة لم تعد بين “الحزب” واسرائيل فقط، إنما هناك دعم دولي كبير وسيتحوّل عسكرياً إذا دخل “الحزب” في الحرب من بابها الواسع، كما أن الواقع اللبناني السياسي والاقتصادي المنهار يشكّل ما يسمّى ظروفاً سيئة لـ”الحزب” وخصوصاً ان هناك معارضة سياسية وشعبية كبيرة في لبنان لمشاركته في الحرب وتوريط لبنان وشعبه فيها. وبالتالي الاتجاه الحالي لـ”الحزب” هو الابقاء على قواعد الاشتباك.

وتتباهى مصادره الإعلامية بأن أبرز ما فعله بعد 12 يوماً على بدء المعركة: فتح جبهة الجنوب كلها من الناقورة وحتى شبعا بطول 120 كيلومتراً، وإشغال الجيش الاسرائيلي وقطاعاته وحشوده كافة على طول الجبهة، وإفراغ المستوطنات وهروب قاطنيها على طول الجبهة وبعمق 5 الى 7 كيلومترات وإصابة 160 من جنوده. تُرى هل هذا كاف لـ”حماس”؟

دخلت ايران أو لم تدخل في الحرب، تكثر التساؤلات لدى الجماهير العربية اليوم عن دورها وميليشياتها وقد باتت واثقة أنها معدّة، ليس لاسرائيل، إنما لتنفيذ مشروع ايراني بعيد المدى، وإلا لماذا هذا التردد في الدخول إلى الحرب، فيما كان خطابها أن تجهيزاتها الصاروخية من أجل فلسطين والأقصى وبهدف إزالة اسرائيل من الوجود، فلماذا عندما جدّ الجد اكتفت بالكلام والاعلام؟ بل حتى كلامها هذه المرة ظهر متردداً، فغابت العنتريات وحضرت الحكمة وبدأ الحديث عن ضبط النفس والمراقبة عن كثب! أين “فيلق القدس” وآلافه؟ أين “حزب الله” وشراسته؟ أين فصائل الحشد وقوافلها المتهافتة على سوريا ليل نهار؟ أين “الجبهة الشعبية” وشبيحتها؟ أين “فيلق القدس” ودمويته؟ أين جيش النظام السوري ومدافعه وبراميله؟ أم إنهم لا يزالون يبحثون عن طريق القدس في بغداد وحلب وإدلب ودمشق وبيروت وصنعاء؟

أسئلة كثيرة بديهية تحتاج الى إجابات هي على الغالب معروفة مسبقاً.

يرى البعض أن إيران آخر همها أن تنقذ مدينة كغزة، وليس من أولوياتها شعب فلسطين ولا حتى “حماس” نفسها، بينما يعتبر آخرون أن إيران أجبن وأذكى من أن تزجّ بنفسها وأذرعتها العسكرية في محرقة جديّة من أجل فلسطين، بالنسبة إليها ليس هناك أهم من طهران وقم!

في المحصّلة، أدركت إيران أن المسألة اليوم أكبر منها بكثير، فلذلك تصرفت بدهاء واختارت التراجع والتكويع كعادتها في مثل هذه المواقف، كما فعلت مثلاً عندما اغتالت الولايات المتحدة رجلها الاستثنائي قاسم سليماني، فابتلعت الصفعة بصمت وكأنها لم تكن، مثلما ابتلعت كل الضربات التي تلقّتها من اسرائيل من اغتيالات لعلمائها النوويين وضرب لمحطاتها الحيوية، وكلها جرت في عقر دارها! إلا يؤكّد هذا على الأقل أن إيران نمر من ورق فعلاً؟

شارك المقال