“الطوفان الاسرائيلي”… أخبار كاذبة بغطاء دولي

عبدالرحمن قنديل

عُرفت الشائعات بين البشر منذ التاريخ وما لبثت أن تطورت وتبلورت حسب العصر الذي رُوجت فيه، إلى أن وصلت الى ذروتها مع احتدام الصراع في الحربين العالميتين الأولى والثانية، فأصبحت الشائعات علماً قائماً بذاته يدرّس في الكليات الجامعية والأمنية على حد سواء، وكان الفضل لعلماء النفس والاجتماع والإعلام في وضع الأطر العلمية المؤلفة لهذا العلم. وفي زمن السرعة والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يتم التعرض يومياً لكم هائل من المعلومات والأخبار، التي معظمنا لا يتفقد صحة مصدرها ولا يكلف نفسه عناء البحث عن حقيقتها.

تطورت عملية صنع الشائعات، واستخدامها لتحقيق أهداف الحرب النفسية؛ لذلك قامت وزارات الدفاع في الكثير من دول العالم بإنشاء إدارات للحرب النفسية تضم خبراء في صنع الشائعات، وتحديد مواعيد ترويجها، واستخدامها لتدمير معنويات جيوش العدو، وتفكيك الشعوب، وإشعال الحروب الأهلية.

هناك الكثير من الأحداث التي توضح أن الشعوب يمكن أن تتعرض للهزائم العسكرية، لكنها تقوم بإعادة بناء قوتها، والاستمرار في المقاومة حتى تحقق الانتصارات، لكن الشعوب التي تتعرض للهزائم النفسية تفقد ثقتها بنفسها، وتشعر بالإحباط والاكتئاب واليأس، وتفقد الحلم والقدرة على تحقيق الانجازات الحضارية.

وكما عملت إدارات الحرب النفسية في وزارات الدفاع على تطوير مواصفات مضمون الشائعة المؤثرة، وكيفية استخدامها للتلاعب بعواطف الجمهور المستهدَف ومشاعره، فقد عملت أيضاً على استغلال التطورات التي شهدها العالم في مجال تكنولوجيا الاتصال لنشر الشائعات والتأثير على معنويات الشعوب، وإلحاق الهزيمة النفسية بها.

أكد المدرب على التحقق من الأخبار الصحافي محمود غزيل لـ “لبنان الكبير” أن “هناك جزأين في ما يتعلق بفلسطين: الأول وهو المتعلق بإسرائيل والثاني المتعلق بحماس، فكما لدى الطرفين إختلاف في القوة العسكرية كذلك لديهما إختلاف أكبر في القوة الإعلامية التي ليست في وسائل الاعلام التي يمتلكها كل طرف وحسب، ولكن من خلال الرسائل الاعلامية التي يمكن أن يبثاها حتى لو من خارج وسائل الاعلام”.

وأشار غزيل إلى أن “حماس عانت في الفترة الأخيرة متل باقي الفصائل المسلحة المناهضة لأميركا وإسرائيل من أنها موجودة على قوائم الإرهاب الأميركية، وبالتالي منصات التواصل والانترنت عموماً يعاقبها لمجرد أن قالت إسمها على الانترنت، وتكون دعايتها ومعلوماتها أقل إنتشاراً على الرغم من أنها تعمل على تكتيكات الحرب النفسية عن طريق الإعلام، ولكن من جهة اخرى إسرائيل بوسائلها الإعلامية ومن خلال علاقاتها الدولية والديبلوماسية مع الدول الأخرى وتغلغلها في وسائل الإعلام الدولية لديها القوة الاعلامية البديلة المتاح إستخدامها وقتما تشاء، وهذا ما رأيناه من خلال تجربتين أخيرتين حدثتا على الأراضي الفلسطينية في ما يتعلق بإغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة وإستهداف مستشفى المعمداني في غزة وإغتيال الصحافي هشام عبد الله مؤخراً”.

ولفت إلى أن “الدعاية الإسرائيلية قائمة على مبدأ إدعاء المظلومية والبراءة والطرف الثاني هو الأساس ومن أخطأ ومن يرمي الأسلحة ويطلق الرصاص، وأن هناك أخطاء تم إرتكابها ضمن الحرب، ودائماً ما يتم إستغلال علاقات اسرائيل الدولية لكي توفر الغطاء بصورة أكبر لنسب الرواية إلى أطراف أخرى حتى تتجنب اللوم المباشر عليها في حال أرغمت بعد أشهر على الاعتراف بأنها هي من افتعلت هذه المشكلة وقصة الأربعين رضيعاً المقطعة رؤوسهم! كيف تبنوا هذه الرواية ومن بعدها إختفت بصورة كلية من خلال التغيير في طريقة الكلام. وفي ما يتعلق بقصف المستشفى المعمداني عندما كان الرئيس الأميركي جو بايدن في إسرائيل وقال انه شاهد أدلة تثبت ضلوع حماس في عملية القصف، ولكن بعد مغادرته إسرائيل تراجع عن الإتهام ومن الممكن لاحقاً أن تختفي هذه الإتهامات بحجة التراجع بسبب وجود أدلة جديدة”.

وفي ما يتعلق بمنصة “أكس”، كشف غزيل أن “هناك كمية هائلة من التضليل الاعلامي في هذه الفترة من حسابات لا يمكن التعرف على مصدرها بصورة أساسية ولكنها تستفيد من نشر التضليل إن كان من خلال نشر مواد قديمة أو محاولة تغيير الرأي العام عبر دس معلومات تضلل الرأي العام العالمي من خلال المواد التي تحصل على تفاعل ونسب مشاهدة بشكل أكبر، وهذه الأمور نشاهدها تكبر وتتوسع أكثر منذ عملية السبت حتى الآن وحكومة بنيامين نتنياهو تتحكم برواية ما يحصل في فلسطين بصورة أساسية لأن الرواية العربية غير متناسقة وموحدة بكامل أصواتها لذلك هناك غلبة عليها فمصادرها ليست محلية إنما تتكل على المصادر الأجنبية أكثر من المحلية وهو ما يسبب عدم قدرة على مسك الرواية الصحيحة للأحداث الحاصلة”.

أما الخبير في التحول الرقمي والذكاء الإصطناعي فريد أمين فقال لـ”لبنان الكبير”: “من المعروف أن في الحروب تصبح هناك هجمات إلكترونية على المواقع الرسمية للحكومات وعلى البنى التحتية الرقمية في البلدان المتطورة باعتبارها تستعمل للتواصل بينها وبين شعوبها وإعلامها أو حتى على صعيد العسكر والنقطة الأهم وهي السيطرة على الرأي العام”.

وأشار أمين إلى أن “من له القدرة على السيطرة على الرأي العام من خلال البث الذي يريده ويقلب الرأي العام سواء المحلي أو الاقليمي والدولي في إطار معين هو الذي يربح بصورة كبيرة من خلال تشجيع الشعب عبر شد العصب وتجمعيه خلف توجهاته ومن ثم يضم له المجتمع الدولي من خلال شعوبه لتكوين الضغط على مجتمعاتها وحكوماتها للإنضمام الى هذا الإطار، ومن جهة أخرى فهي تحبط الجهة المقابلة وتشككها بقدرات حكومتها أو جيشها. لذلك السيطرة على الرأي العام هي نقطة في غاية الأهمية، من هنا دخل الموضوع التكنولوجي والتأثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي بصورة أساسية وكبيرة”.

وأكد أن “كل الجهات تستعمل مواقع التواصل الاجتماعي لكي تستطيع بث الأخبار، فمن ناحية التكنولوجيا شهدنا الكثير من المواقف التي تحدث حاليّاً في الحرب ضد غزة وهناك تطوير كبير لدى شركات التكنولوجيا ومواقع التواصل الإجتماعي من خلال القدرة على كشف الصور والفيديوهات المعدة من خلال الذكاء الإصطناعي، وبدأ هذا الأمر مع حرب روسيا وأوكرانيا، ومع حرب غزة أصبحت تتزايد خصوصاً مع الحديث عن موضوع قطع حركة حماس رأس أربعين طفلاً إسرائيلياً وتناولته وسائل الإعلام والآن لم يعد متداولاً كما كان سابقاً، لكن تداول هذا الخبر ساهم في تقليب الرأي العام خصوصاً في بداية عملية طوفان الأقصى وإصطفافه خلف إسرائيل”.

وأوضح أن “هناك نماذج أخرى استخدمت في مواضيع مختلفة مثل الهجوم على مسشتفى المعمداني اذ رأينا مجموعة فيديوهات تبين لاحقاً أن بعضها مركب حتى من خلال الوقت لكي يقولوا انها أتت من هذه الجهة أو من العكس، كما تبين أن بعض الفيديوهات الأخرى قديم”، مشيراً الى أن “الخطر الأكبر في الذكاء الإصطناعي هو في تركيب الفيديوهات بشكل لا يمكن أن لا يصدق مضمونها”.

وأعرب أمين عن إعتقاده أن “مواقع التواصل الإجتماعي سمحت للكثيرين بنقل الخبر لأن هناك جهات معينة كانت لها القدرة سابقاً على أن تصنع الخبر كما يحلو لها وتنشره على وسائل الاعلام التقليدية، ولكن الآن ومع وجود هواتف مع الكثيرين أصبح بإمكان أي مواطن أن يكون مراسلاً الى أي جهة إنتمى ويستطيع أن يدحض موضوعاً معيناً من جماة معينة لأنه بات قادراً على أن يرصد الحدث كما هو حاصل على أرض الواقع، أي في السابق إذا كانت هناك جهة معينة لها قدرة إعلامية أكبر فكانت تستطيع فرض سيطرتها بسبب ضعف الطرف الآخر في هذا الخصوص. اليوم باتت لدى أي مواطن عادي يملك هاتفاً أو إنترنت القدرة على نقل الخبر أي بات من الصعب في الوقت الراهن التعتيم على موضوع معين وأساس بسبب كل هذا التطور، فضلاً عن موضوع الأقمار الاصطناعية التي يجب الاضاءة عليها. ففي موضوع القصف على المستشفى المعمداني طلب من إسرائيل أن تظهر الأقمار الإصطناعية كإثبات على أنها غير معنية بقصف المستشفى، فالتطور التكنولوجي سيف ذو حدين يستطيع أن يدفش لإخفاء الحقائق أو لإظهارها”.

شارك المقال