الارتدادات الاقتصادية لـ”طوفان الأقصى” على لبنان!

جورج حايك
جورج حايك

عادة لا تحصل حرب في أي مكان إلا ويتأثر بها لبنان اقتصادياً، فكيف بحرب ضارية تجري في دولة مجاورة له، وإحتمال أن تتمدد إلى كل دول المنطقة، ومن بينها لبنان لسبيين: أولاً عدوانية اسرائيل وتوترها، ثانياً إنخراط “حزب الله” في محور الممانعة، وإعلانه بصراحة أنه ليس حيادياً، بل يربط تدخله في الحرب بتطوّر الأحداث في قطاع غزة، وهذا أمر خطير بدأ ينعكس على الاقتصاد اللبناني المنهار أصلاً؟

لا شك في أن الوضع اللبناني “مسموم” نتيجة الحرب الدائرة بين اسرائيل و”حماس”، وحالة من الخوف والقلق تسود الشعب اللبناني، وهذا ما إنعكس على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي. ويتحدث الخبير الاقتصادي والمالي لويس حبيقة عن “أولى ضحايا ما يحصل وهو القطاع السياحي، فألغيت الحجوزات في فنادق عديدة، وهذا ما أدى أيضاً إلى الغاء بعض المغتربين والسيّاح حجوزاتهم للسفر إلى لبنان ما سيعرقل حركة تدفّق الدولار النقدي الى البلاد، وحكماً ستتأثر المطاعم والملاهي الليلية بهذه الأجواء”.

ولا يرى حبيقة أن القطاعين الصناعي والزراعي سيبقيان بمنأى عن التداعيات الاقتصادية.

أما معيشياً فلا شك في أن معركة “طوفان الأقصى” أثّرت على القدرة الشرائية، فشهدت مبيعات بعض القطاعات كالسوبرماركت والمحروقات والأدوية ارتفاعاً بحيث عمد المواطنون الى تخزين هذه السلع والمنتجات على الرغم من عدم وجود معدلات إستهلاك كبيرة، إلا أن هناك قطاعات كمالية وأخرى تتعاطى بالمنتجات غير الأساسية شهدت تراجعاً اذ ان المواطنين بطبيعة الحال يؤجلون شراءها الى حين اتضاح مسار الأمور. وتدريجياً ستضرب الحرب في غزة رغبة المواطن في الاستهلاك، وهذا من أكبر التداعيات السلبية، ولو اقتصر الأمر على التخوف من اندلاع حرب في لبنان، إذ إن المواطن لاشعورياً، يبدأ بالتخفيف من مصاريفه، ويحصر عملية الشراء لديه بالحاجات الأساسية.

ويؤكد حبيقة أن ملامح التداعيات ستظهر بوضوح على البنزين الذي سيشهد أزمة متوقعة نتيجة شحنه في البحر، بحيث سترفع شركات التأمين أسعارها بسبب مخاطر النقل، ما سيؤدي إلى ارتفاع في أسعاره، وهذا ما سيشمل سلعاً أخرى لا تقل أهمية كالمازوت والغاز وغيرهما.

ويتطرق حبيقة إلى الأمر الأكثر خطورة الذي سيواجهه لبنان قريباً وهو نزوح جديد من أهل غزة الذي سيتوافدون بكثافة إلى لبنان، وستفتح لهم اسرائيل معبر رفح ليخرجوا من غزة وهدفها التخفيف من إصابة المدنيين في عمليتها العسكرية البرية خوفاً من نقمة المجتمع الدولي عليها من الناحية الانسانية ما يكبّل اندفاعتها العسكرية.

نسأل حبيقة،: لماذا لا يبقى الغزاويون في مصر؟ يجيب: “لا تريد مصر بقاءهم على أرضها ولا حتى في صحراء سيناء، ربما تسمح لعدد معيّن، إلا أنها ستدفع هؤلاء للسفر إلى الدول المجاورة ومن بينها لبنان، علماً أن الفلسطينيين يفضّلون الانتقال إلى لبنان”.

ويضيف: “طبعاً سيؤثّر هذا النزوح على لبنان اقتصادياً وخصوصاً إذا بلغ العدد ما لا يقل عن 100 ألف”.

لكن هذا ليس كل شيئ والأمور قد تفلت من عقالها إذا إنزلق لبنان إلى الحرب نتيجة اعتداءات اسرائيل أو قرار ايراني بإشعال جبهة لبنان نصرة لغزة بواسطة “حزب الله” وفق معادلة “وحدة الساحات”.

ويعتبر حبيقة “أننا سننتقل إلى مستوى آخر أكثر خطورة، في حال اندلاع الحرب، بل سنكون أمام كارثة كبرى وانهيار ما بعده انهيار، أقلّه مشهد حرب تموز 2006 وضرب البنى التحتية من مرافق عامة وجسور والكهرباء ومرافق صحية، وخصوصاً إذا ضرب المطار أو المرافئ، ما سيؤدي إلى شح في الغذاء والدواء والمحروقات، وسيكون لبنان أمام كارثة اقتصادية غير مسبوقة”. ويلفت إلى أن حياة اللبنانيين ستصبح أسوأ بكثير من حيث ارتفاع الأسعار في كل السلع الاستهلاكية نتيجة الحصار وارتفاع كلفة شحنها والمخاطر التي تتعرض لها خلال الشحن سواء برياً أو بحرياً، وبالتالي سيتم التركيز على السلع المحلية.

أما سعر صرف الدولار فلا يرى حبيقة أنه سيتأثر كثيراً، لأن لا كتلة نقدية كبيرة متوافرة في السوق، والناس تتقاضى أجوراً بالدولار وخصوصاً القطاع الخاص “المدولر” بالكامل، فيما يبدو أن رواتب القطاع مؤمنة بالدولار على مدى 4 أشهر.

لكن حبيقة يعتبر أن من الصعب خلال الحرب أن تستمر الشركات في دفع الأجور كما هي اليوم، ومن الطبيعي أن تتراجع بسبب تعثّر الشركات وعجزها عن الانتاج والعمل خلال هذه المرحلة، وبالتالي ستتأثر القدرة الشرائية كثيراً.

ونسأله: هل ستكون بيئة “حزب الله” وحركة “أمل” متأثرة أكثر من سواها إذا اندلعت الحرب كونها ستكون في الواجهة نتيجة مشاركة “الحزب” في الحرب، كما حصل في حرب تموز؟ يرد: “ليس بالضرورة أن تتأثر الطائفة الشيعية كثيراً لأنها تتلقى مساعدات من الحزب وهي طائفة ميسورة لها امتداد إلى إفريقيا، وبصرف النظر عن الطوائف والمذاهب كل اللبنانيين سيتأثرون اقتصادياً، والمسألة ستكون أضرارها مناطقية أكثر. وكلّما طالت الحرب ستكون أعباؤها الاقتصادية أكبر”.

ويشير حبيقة إلى أن اللاجئين السوريين لن يرحلوا حتى ولو حصلت حرب، وخصوصاً أن الأوضاع الاقتصادية في سوريا سيئة، ومعظمهم يتقاضى دعماً مالياً من الأمم المتحدة.

في الختام، لا يحتمل الاقتصاد اللبناني تداعيات أي حرب جديدة تندلع في الجنوب، وتمتد على مساحة البلاد.

شارك المقال