تأخير إجتياح غزة (١)… إجماع على عدم تهيئة الجيش الاسرائيلي للحروب البرية

زياد سامي عيتاني

منذ عملية “طوفان الأقصى”، والعدو الاسرائيلي يلوح مهدداً بأن قواته المحتشدة، ستجتاح غزة للقضاء على قوة “حماس” العسكرية نهائياً، بعدما استدعى الجيش أكثر من 300 ألف من جنود الاحتياط، وامتلأت المزارع والحقول على الجانب الآخر من الحدود مع غزة بدبابات ميركافا، وأنظمة القذائف الذاتية، والآلاف من الآليات العسكرية الجاهزة للمعركة، وذلك بالتزامن مع شن الطيران الحربي الاسرائيلي والبوارج البحرية غارات تدميرية وإبادية متواصلة على مختلف أنحاء غزة وبنيتها التحتية، بما في ذلك المستشفياء وأماكن الايواء، وسط حصار مطبق على القطاع، والذي بات يشكل كارثة إنسانية بكل ما للكلمة من معنى.

وعلى الرغم من موافقة الكابينت الاسرائيلي على الخطط العملياتية للحرب على غزة، وتعيين رئيس أركان الجيش السابق غادي أيزنكوت، عضو كابينت الحرب الحالي، مسؤولاً عن الجبهة الشمالية، ومع مضي أسبوعين على عملية المقاومة، فإن الجيش الاسرائيلي لم ينفذ هجومه البري الذي وعد وتعهد به، مكتفياً بالقصف الهمجي الاجرامي على القطاع! ويقتضي في هذا الاطار التذكير بما أعلنه الجيش الاسرائيلي الاثنين الماضي، أن المدرعات مع القوات البرية مستعدة وجاهزة لدخول غزة، لكن تجري الآن تدريبات تمهيداً للدخول.

إنقضاء أسبوعين على عملية “طوفان الأقصى” من دون تنفيذ الجيش الاسرائيلي تهديداته باجتياح غزة، على الرغم مما حظي به من غطاء دولي، لا سيما زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى تل أبيب، إضافة إلى تحريك حاملات الطائرات والقطع البحرية الى المتوسط، كدعم لاسرائيل، فإن شكوكاً وتساؤلات عديدة باتت تطفو على السطح، لعدم إعلان ساعة “الصفر” لاجتياح غزة، ما يزيد من الأوضاع الاسرائيلية تخبطاً وإرباكاً، خصوصاً وأن الغموض هو سيد الموقف!

وعكس تأجيل الاحتلال عملية التوغل البري في قطاع غزة، حالة الارتباك التي يعيشها الداخل الاسرائيلي، وأثار تساؤلات حول مدي جاهزيته لحروب شوارع غزة. فإزاء حالة من الترقب والقلق والطوارئ التي تخيم على اسرائيل، يبرز سؤال مركزي في مختلف أوساطها: ما هي أسباب تأخير إجتياح غزة؟ قبل أسبوع، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن الجيش الاسرائيلي قرر إرجاء توغله المتوقع لقطاع غزة، لعدة أيام “بسبب الظروف الجوية السيئة”، ونقلت عن ثلاثة ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي، لم تكشف عن هويتهم، أنه كان من المفترض أن يبدأ الهجوم البري في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، لكن تأجل جزئياً بسبب السماء الملبدة بالغيوم التي ستجعل من الصعب على الطيارين الاسرائيليين ومشغلي الطائرات من دون طيار توفير غطاء جوي للقوات البرية.

إلا أنه وفق صحيفة “جيروزاليم بوست” الاسرائيلية، فإن تأخير الهجوم البري على غزة جاء حتى تعزز إسرائيل الجبهة الشمالية، إضافة إلى مواصلة قواتها حشودها على الحدود مع قطاع غزة، كما يجري الجيش تدريبات بالنيران الحية وعلى إطلاق النار قصير المدى وبالأسلحة الرشاشة الخفيفة لرفع كفاءة القوات المقاتلة، تمهيداً لتنفيذ هذا الهجوم المرتقب. بدورها، توقعت صحيفة “نيويورك تايمز” أن يعتمد الاجتياح البري المرتقب لغزة، على قوات المشاة والدبابات، وخبراء المتفجرات.

ووفق خبراء عسكريين، فإن الهجوم المتوقع سيكون بمثابة “حرب المدن” ويتعين على القوات الاسرائيلية الاستعداد له لمنع أي تكلفة كبيرة في صفوفها بفعل التحصينات التي شيدتها حركة “حماس” في القطاع على مدى 16 عاماً منذ خروج إسرائيل منه. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الجنود يستعدون لاحتمال خوض معارك داخل مدن مدمرة، ويجرون تدريبات عسكرية مكثفة وواسعة على ذلك. كذلك تؤكد تقارير إسرائيلية أن تلك التدريبات هي السبب الرئيس وراء تأجيل التدخل البري، بسبب أن قوات الاحتياط ممن تم استدعاؤهم وتضم الآلاف ليسوا مطلعين على خطط الجيش في القطاع أو تدريباته خلال الفترة الماضية.

وتشير المعلومات التي يتناقلها الاعلام الغربي إلى أن هناك أيضاً اعترافاً عميقاً داخل الجيش الاسرائيلي وعلى المستوى السياسي، بأن الجيش لم يخض حربا كهذه منذ عقود، وأن الاندفاع إلى التدخل من دون استعداد، لمجرد إشباع التعطش للانتقام بصورة أسرع، يمكن أن يكون خطأ كبيراً. وخير مثال على وجهة النظر هذه، الغزو البري في حرب لبنان الثانية عام 2006، والتي كانت عبارة عن فوضى كاملة، على الرغم من أن القوة الجوية كانت هي الجزء الناجح.

على الرغم من الدعم العالمي الكبير الذي حصلت عليه إسرائيل، فإن اللحظة التي تتضخم فيها أرقام الضحايا في غزة، والتي من المرجح أن تحدث عندما يبدأ الغزو، ستكون هناك ضغوط قوية من الولايات المتحدة والعالم لوقفه. وهذا ما أكده الخبير العسكري يوآف ليمور بقوله: “لقد أبدت جهات مختلفة تخوفها من أن يكون التأخر في الخروج إلى المعركة البرية يضيق المهلة الزمنية التي تتمتع فيها إسرائيل بشرعية دولية للرد على هجوم حماس”.

 

 

شارك المقال