تأخير إجتياح غزة (٢)… عدم القدرة على تحمل أثمان حرب طويلة

زياد سامي عيتاني

من دوافع تأخر الاجتياح البري لغزة محاذير مرتبطة بصعوبة الوضع الراهن، أولها أن الجيش الاسرائيلي سيضطر إلى خوض حرب مزدوجة، فوق الأرض وتشمل معارك الشوارع، وتحت الأرض تتمثل في معارك الأنفاق. لذا، يرى الخبراء العسكريون أن القوات الاسرائيلية إذا توغلت بقوة في غزة فإن عدد الضحايا سيكون أكبر، بحيث من المتوقع أن يموت الجنود الاسرائيليون في الكمائن، وعلى يد القناصة، وقد تجري بعض المعارك في الخنادق التي تمتد لأميال تحت الأرض.

ووصف الخبير العسكري في حروب المدن في معهد “الحرب الحديثة” الأميركي، جون سبنسر، مهاجمة مدينة محصنة مثل غزة بأنها ستكون مثل “معركة صعبة ومعركة في الجحيم” وذات تكلفة مرتفعة، لأنها داخل مدن متعددة، وتحصن عناصر “حماس” في الخنادق والحصون العسكرية. بدوره توقع الخبير العسكري يوآف ليمور، أن تستمر الحرب على غزة أسابيع وربما أشهراً. لذلك، تسعى المخابرات الاسرائيلية إلى تدارك فشلها بالعمل من دون هوادة على مساعدة الجيش في تحديد مواقع الرهائن، ومخابئ قادة “حماس”. وهذا ما دفعها الى طلب المزيد من الوقت للحصول على معلومات أكثر، حتى إذا توغل الجنود ذهبوا مباشرة إلى مواقع معينة، بدلاً من البحث بين الأنقاض والدمار شمالي غزة، وسط تصاعد التنديد العالمي، لا سيما وأن مقاتلي “حماس” و”الجهاد الاسلامي” الذين لا يزالون في غزة أعدوا الكمائن والمخابئ، تحصيناً للاجتياح البري، بحيث تسعى المخابرات الاسرائيلية الى تحديد مواقعهم وإبلاغ الجيش عنها.

وتوقع سبنسر أن يحاول الجيش الاسرائيلي مفاجأة “حماس”، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة في معركة الفلوجة الثانية في العراق، معرباً عن اعتقاده أن الهجوم ربما يأتي من اتجاه غير متوقع لـ “حماس” وسيكون مختلفاً عن معارك العام 2014 أي المرة الأخيرة التي دخلت فيها القوات الاسرائيلية الى غزة خلال عملية “الجرف الصامد”. ورجح أن يكون على الأقل هجومان متزامنان، بعد أن تشن القوات الاسرائيلية هجمات للخداع أو للإلهاء.

وعن التحديات التكتيكية التي تنتظر القوات البرية الاسرائيلية في غزة، قال سبنسر: “الصواريخ والطائرات من دون طيار وأنفاق حماس التي تختبئ فيها، فضلاً عن الهجمات المضادة للدبابات والتحصينات والنقاط القوية، بالاضافة إلى القناصة من عناصر حماس”. ورجح أن تشبه تلك المعركة سلسلة “معارك المدن”، في التاريخ الحديث المماثلة لمعركة بغداد في العام 2003، والفلوجة 2004، والموصل، ومراوي في الفليبين في العام 2017، وكييف وماريوبول الأوكرانيتين عام 2022. وخلص إلى القول: “من الدروس المستفادة من هذه المعارك السابقة، هي أنه من الأفضل تجنب حروب المدن وحرب العصابات لأنها تمثل صعوبات كبيرة للقوات العسكرية النظامية”.

وأوضح المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) الجنرال ديفيد بترايوس، أن “الهجوم البري الاسرائيلي المحتمل على قطاع غزة سيستمر سنوات وسيتضمن قتالاً مروعاً”، مؤكداً أن إسرائيل إن توغلت برياً في القطاع فستواجه وضعا أصعب من الذي واجهته القوات الأميركية في الصومال، وستقابل بهجمات “انتحارية” وعبوات ناسفة ومفخخات وكمائن. واستشهد الجنرال، الذي كان أيضاً القائد السابق للقوات الأميركية في العراق وأفغانستان، بحادثة إسقاط 3 مروحيات أميركية من طراز “بلاك هوك” في مقديشيو عام 1993، ما تسبب بقتال دموي، بينما كانت القوات الأمكية تكافح لإنقاذ الناجين جراء التحطم. وأشار الى أن الجيش الاسرائيلي سيواجه “واقعاً مماثلاً” إذا اشتبك على الأرض في غزة.

وقال بترايوس إن تجربته الشخصية في إدارة الجيوش المنخرطة في “حملات وحشية لمكافحة التمرد” يجب أن تكون بمثابة تحذير للجيش الاسرائيلي في حالة المضي قدماً في التوغل البري. وأضاف: “لا يمكنك الفوز في عمليات مكافحة التمرد في عام أو عامين. فمثل هذه العمليات عادة ما تستغرق عقداً من الزمن أو أكثر، كما رأينا في العراق، وكما رأينا في أفغانستان”.

إستناداً الى مقاربات الخبراء العسكريين وتحليلاتهم لا سيما كبار الجنرالات الذين خاضوا معارك مشابهة، لما سيواجهه الجيش الاسرائيلي، هل بمقدور إسرائيل التي تمر بأخطر مرحلة سياسية وعسكرية منذ إغتصابها فلسطين، تحمل نتائج غزو غزة وتداعياته وأثمانه؟ إنه بعد الحرب فقط سيتبين ما إذا كان الوقت الاضافي الذي طلبه الجيش الاسرائيلي لاقتحام غزة، قد تم إنفاقه بحكمة في صياغة خطة غزو وما بعد الغزو، لتكون أكثر ذكاء وفعالية، أم أنه كان إهداراً للوقت، أطال الحرب بكل ما تكبدته إسرائيل من خسائر فادحة ليس بالأرواح والمعدات وحسب، بل بسمعتها العسكرية التي لم يسبق أن إهتزت كما هي عليه اليوم.

شارك المقال