هل ينخرط “الحزب” في حرب هو أصلاً داخلها!

صلاح تقي الدين

لا حديث في هذه الأيام سوى عن توقيت دخول “حزب الله” إلى الحرب الدائرة بين حركة “حماس” الفلسطينية والعدو الاسرائيلي، كما لو أن ما يجري على الحدود الجنوبية للبنان لا يعتبر حرباً، على الرغم من التزام “حزب الله” بقواعد الاشتباك التي رسمها منذ نهاية حرب تموز 2006، وهذا ما جعل التراشق المدفعي والصاروخي لا يتعدّى الخطوط الحمر من الجهتين.

غير أن الخشية هي أن تنحدر هذه المواجهة إلى ما لا يحمد عقباه، بمعنى أن يتطور التراشق المدفعي إلى اشتباكات مباشرة تستخدم فيها الأسلحة المجربة من قبل وتلك التي يعد الجانبان باستخدامها ولم يكشف النقاب عن قوتها التدميرية ودقة إصاباتها، فإسرائيل توسلت الولايات المتحدة الأميركية القدوم لمؤازرتها، ولبى الرئيس جو بايدن النداء فأرسل أحدث حاملة طائرات في العالم إلى شواطئ مدينة حيفا، محملة بنوعية متطورة من الذخائر يبدو أن نتائجها بدت واضحة من خلال جريمة الاعتداء على مستشفى المعمداني، إذ استطاعت إسرائيل بصاروخ واحد فقط قتل ما يفوق الألف فلسطيني من دون إحداث دمار موصوف كما كان يحدث عادة في الغارات الجوية السابقة.

ومما لا شك فيه أن الاهتمام الغربي المكثف بمناشدة لبنان أو تحذيره من مغبة دخول “حزب الله” في الحرب الدائرة، لا يعود إلى خوف الغرب على لبنان، بل الى خشيته من أن يؤدي هذا الانخراط إلى إلحاق أضرار مدمرة بإسرائيل نظراً الى أن الصواريخ التي يزعم الحزب امتلاكها من المؤكد وهي موجهة ودقيقة، قد تصل إلى حيفا وما بعد بعد حيفا وهذا بحد ذاته يشكل خطراً على الكيان الصهيوني لن يكون من السهولة استيعابه.

وتستغرب مصادر مقربة من محور الممانعة الكلام عن دخول “حزب الله” في الحرب من عدمه، إذ تعتبر أن الحزب ومنذ اليوم الأول لـ “طوفان الأقصى” وضع نفسه وإمكاناته بتصرف الأخوة الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال بعدما تأكد لهم أن كل الحديث عن المفاوضات وما شابه لن تعيد لهم أرضهم أو كرامتهم المنتهكة يومياً.

وتضيف المصادر في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “ان الوضع القائم حالياً عبر الحدود الجنوبية مضبوط على الرغم من التزام الحزب بالرد على الانتهاكات الاسرائيلية باستهداف مواقع عسكرية، إلا أن إمعان الصهاينة في ارتكاب جرائم الحرب الموصوفة ضد المدنيين في غزة وقصف المناطق السكنية في جنوب لبنان قد يجعلاه يرد الصاع صاعين وهذا الأمر رهن بتطور الأحداث ميدانياً”.

لكن ما يزيد من غموض الوضع عسكرياً هو الصمت الذي يلوذ به “حزب الله” وأمينه العام السيد حسن نصر الله، وفي حين يعتبر البعض هذا الصمت قوة نفسية تزيد من شعور العدو الصهيوني بالخوف من إمكانات الحزب، يرى البعض الآخر أن السكوت هو لأن نصر الله غير قادر على التصريح علناً بموقف قد يؤدي بالمنطقة بكاملها إلى الدخول في أتون الحرب، خصوصاً وأن الحزب أصبح ينعى يومياً سقوط “شهداء” له على أرض الجنوب وصل عددهم حسب المعلن عنهم إلى 22 مقاتلاً.

إن سقوط هذا العدد من مقاتلي الحزب في المناوشات القائمة بينه وبين العدو الاسرائيلي، يعني في أقل تعديل أن الحزب منخرط أصلاً في هذه الحرب، ولماذا السؤال عن مدى “انخراطه” ولماذا هذا التشكيك في موقفه؟

وتشير المصادر المقربة من محور الممانعة نفسها الى أن القرار النهائي للحزب بتوسيع دائرة مشاركته في الحرب يتوقف على قدرة حركة “حماس” على الصمود وعدم إيصال رسالة مفادها “التعب” وعدم القدرة على الاستمرار في مواجهة الجرائم الاسرائيلية بمفردها، وعندها يتحرك الحزب على هذا الأساس.

أما الحديث عن ربط الحزب قراره بالدخول في هذه الحرب بالغزو البري الاسرائيلي لغزة، فتعتبر هذه المصادر أن على العدو أن “يستمع إلى نصائح جميع وكالات الاستخبارات العالمية وتحديداً الأميركية التي تحذّره من الدخول إلى غزة براً، ففي الداخل هناك تحت الأرض غزة أخرى وسيكون عبور الاسرائيليين لبوابة غزة فتح باب المقبرة بالنسبة اليهم”.

من المؤكد أن في الداخل اللبناني، لا أحد يريد الحرب ويريد تجنبها وهذا قرار ليس باستطاعة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أو رئيس المجلس النيابي نبيه بري تقريره، ولا حتى كل القوى السياسية الأخرى، فقرار السلم والحرب أضحى بيد “حزب الله” منذ العام 2006، وجل ما يمكن للمسؤولين السياسيين فعله هو “التمني” على السيد نصر الله عدم تحميل لبنان أثماناً ليس قادراً على تحملها، وربما تكون بيئته الحاضنة أكثر من سيدفعها، لكن الحزب منخرط في هذه الحرب شاء من شاء وأبى من أبى.

شارك المقال