تحت مطرقة الانتظار

لينا دوغان
لينا دوغان

يتسمر اللبنانيون أمام التلفزيون ويقلبون بين محطة وأخرى لمتابعة آخر تطورات الوضع في غزة مع كل ما يرتكبه العدو من مجازر وابادة بحق الفلسطينيين وما يرافق هذه الأحداث الأمنية في الميدان من مواقف سياسية وتحركات ديبلوماسية تجري بالتوازي مع الحرب الدائرة، ولم تعد المتابعة تقتصر على التلفزيون وحده، إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مهمة لدرجة أن كل شخص بيده هاتفه الخلوي أيضاً يتنقل بين وسيلة وأخرى عله يحصل على الخبر العاجل الذي ورد قبل قليل.

بين لبنان وفلسطين المحتلة حدود، وفي هذه المرحلة بينما تعيش غزة تحت مطرقة النيران يعيش لبنان تحت مطرقة الانتظار، فهل تتغير المعادلة وتصبح غزة ولبنان تحت المطرقة نفسها أي النيران، أم يبقى لبنان في دائرة الانتظار؟

نعيد ونكرر أن لا أحد من اللبنانيين يريد الحرب أو يحتملها، حتى البيئة الداعمة للمقاومة، لكن ما نعيشه في هذه المرحلة هو حالة انتظار ثقيلة متعبة يترقبها اللبنانيون “على أعصابهم”، من الممكن أن تحمل تطورات متسارعة ومفاجئة، كما من الممكن أن يبقى الوضع كما هو عليه أي عمليات لتخفيف الضغط عن “حماس” في الداخل الفلسطيني، وقد رأينا مثل هذه العمليات ليس من “حزب الله” وحسب، بل أيضاً من “حماس” و”كتائب القسام” عبر الأراضي اللبنانية، والحوثي في اليمن وفصائل في العراق باتجاه سفن وقواعد أميركية، كل هذا يصب كما ذكرنا في اتجاه تخفيف الضغط عن “حماس”.

على الرغم من ذلك يبقى تحريك “حزب الله” الحدود الجنوبية هو الشغل الشاغل للجميع، في الداخل من الشعب والجيش والمقاومة، وفي الخارج من كل الوافدين والمتصلين الذين يؤكدون ويصرون ويطالبون بعدم دخول “حزب الله” في هذه الحرب وجر لبنان الى ما لا يحمد عقباه.

كلمة “ما لا يحمد عقباه” يقرأها البعض على أنها أتت في سياق تهديد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بأن جبهة الجنوب اذا ما فتحت وأدخل “حزب الله” لبنان في معركة “طوفان الأقصى”، فلبنان كله لن يكون بمنأى عن القصف الاسرائيلي وربما الأميركي مع ارسال البوارج والمقاتلات الأميركية الى المتوسط في وجه أي تحرك لـ “حزب الله”، حتى الموقف اللبناني الذي ليس بيده قرار الحرب كما قال، يلمح الى أن الأولوية لدى الحكومة هي لحفظ الأمن والاستقرار في جنوب لبنان واستمرار الهدوء على الخط الأزرق والالتزام بالقرار 1701 ووقف الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة للسيادة اللبنانية جواً وبحراً وبراً، والانسحاب من الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة، كما وأن خارجية لبنان تعمل على أن يبقى الوضع في اطار المناوشات التي تجري وأن لا يتطور أكثر، محاولة الطلب من الدول الفاعلة الضغط على اسرائيل لتهدئة الوضع والدخول في هدنة.

كل هذا نستطيع أن نقول عنه انه في إطار الكلام لا أكثر، طالما أن الجيش الاسرائيلي يتهم “حزب الله” بالسعي إلى التصعيد العسكري في المنطقة الحدودية، ويحذره من أن ذلك سيجر لبنان إلى حرب، متسائلاً: هل الدولة اللبنانية مستعدة حقاً لتعريض السيادة اللبنانية من أجل ما يجري في غزة؟ هذا سؤال أصبحنا نعرف أن السلطات اللبنانية لا تستطيع أن تجيب عنه، لكن اللبنانيين الذين يعيشون الانتظار المترافق مع القلق يجيبون بأنهم لا يريدون المزيد من الخسائر هم في غنى عنها أصلاً، ويعتبرون أن الوضع الصعب الذي يعيشونه على الأصعدة كافة، الاقتصادية والصحية والاجتماعية وحتى الأمنية يكفيهم، زد على أن معظم اللبنانيين لا يملك المال لتأمين قوت يومه فكيف سيتمكن من تأمين المؤونة لأسابيع وربما أشهر فيما لو ذهبت البلاد الى الحرب، وهؤلاء إما عاطلون عن العمل أو تآكلت قيمة رواتبهم بالعملة المحلية نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار؟ ومن منا لم تصله رسائل مباشرة وغير مباشرة بضرورة التموين؟ حتى أن الكلام عن البحث لاستئجار بيوت خارج اطار بيروت الادارية صار مؤخراً حديث الناس، الخائفين مما يمكن أن يحدث من تطورات على الساحة الجنوبية.

التضامن مع قضية فلسطين وغزة من المؤكد والضروري والثابت أنه واجب، لكن ماذا عن لبنان المنهك والعاجز، والذي أصبح اليوم مع الحرب الدائرة في غزة في وضعية المنتظر لعملية توحيد الساحات، خصوصاً أن “حزب الله” ليس وحده من يستعمل جبهة الجنوب منصة لاطلاق الصواريخ، بل أضحى الجنوب متاحاً لأكثر من ساحة بمعرفة الحزب في انتظار القرار!

شارك المقال