هل تستخدم الأذرع العسكرية الايرانية المدنيين دروعاً بشريّة؟

جورج حايك
جورج حايك

تحتدم المعارك بين الأذرع العسكرية الموالية لايران من جهة واسرائيل من جهة أخرى منذ 7 تشرين الأول الجاري، وتستخدم في المعارك الأسلحة والتكتيكات المحظورة وغير المحظورة، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وبين الجبهتين يسقط عدد كبير من الضحايا على نحو لا يمت إلى الانسانية بصلة.

تجري المعارك على مرأى من كل البشر، وخصوصاً أن وسائل الإعلام المتطورة تواكب الأحداث مباشرة بالتفاصيل، وبالتالي لم يعد هناك أسرار أو أمر غامض، ويستطيع أي إنسان أن يدقق في أي خبر أو بروباغندا إعلامية ويتأكد من مصداقيته، فلا يسمح لأحد أن يستخف بعقله في القرن الحادي والعشرين.

لا شك في أن الاعلام الغربي يتّهم الفصائل الفلسطينية المدعومة من إيران مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وغيرها بالاحتماء بالمدنيين واستخدامهم كدروع بشرية، في المقابل يعتبر الاعلام العربي المتضامن مع الشعب الفلسطيني أن الغرب ومسؤوليه لا يتعاطون بموضوعية مع الأحداث الدموية ليبرروا لإسرائيل مجازرها بحق المدنيين في قطاع غزة.

المشكلة أن غزة مدينة مكتظة بالسكّان، والمشهد متداخل بين أهلها وعناصر “حماس”، ومن الصعب أن تتمكّن اسرائيل من التمييز بينهما، لكن هذا الوضع “الغامض” في غزة لا يسمح لإسرائيل بممارسات وحشية لا ترحم، كإطلاق العنان لطائراتها الحربية بقصف المدنيين لمجرد الاشتباه بوجود الفصائل الفلسطينية في أماكن محددة، وهذا ما جعل فاتورة الضحايا المدنيين كبيرة جداً وقد تجاوز عددهم الـ4 آلاف ضحية. فاسرائيل تتذرع بأنها أنذرت هؤلاء بالرحيل، لكنهم بقوا في مساكنهم بمحض إرادتهم، بدافع تقديم الدعم لـ”حماس”، وبالتالي تعتبرهم أشخاصاً يشاركون بصورة مباشرة في الأعمال العدائية، علماً أن اسرائيل ليست الجهة التي يحق لها التقويم إنما يجب أن يكون منوطاً بهيئة قضائية مستقلة، تُقرِّر على أساس كل حالة على حدة.

في المقابل، قد تكون “حماس” أجبرت هؤلاء على البقاء في غزة، وإذا كان هذا الأمر صحيحاً فإن القانون الدولي يجرّم إقدام الأطراف المتنازعة في الصراعات والحروب على استخدام المدنيين كدروع بشرية وفق اتفاقيتي جنيف عام 1929 وعام 1949 والبروتوكول الاضافي لها عام 1977 وأيضاً معاهدة روما عام 1998 في هذا الشأن.

واتفاقيات جنيف تحظر استغلال المدنيين أو استخدامهم كدروع بشرية بهدف تحصين المواقع العسكرية من هجمات العدو أو منع الهجمات المضادة الانتقامية خلال هجوم ما (اتفاقيّة جنيف 4، المادتان 28 و49؛ البروتوكول 1، المادة 51-7؛ البروتوكول 2، المادة 5-2-جـ). وعليه يحظّر توجيه حركة الأشخاص المحميين بهدف اتّخاذهم دروعاً لحماية الأهداف أو العمليات العسكرية. ويخضع العديد من فئات الأشخاص لحماية خاصة من القانون الانساني مثل المدنيين والجرحى والمرضى وأسرى الحرب، والعاملين في المجال الطبي.

وتحدّد مثل هذه الأفعال بوضوح على أنها جرائم حرب بموجب القانون الدولي الانساني. ويتطرق عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك إلى هذا الموضوع على نحو معمّق، لافتاً إلى أن “فكرة الدروع البشرية ليست أخلاقية، فهي مأخوذة أساساً من فكرة خطف الرهائن والاحتماء بهم، وأي مقاومة ضد احتلال إذا استخدمت مفهوم الدروع البشرية تسقط عنها أوصاف المقاومة الشريفة، وعلى المقاومة أو أي تنظيم عسكري أن يحسب في خطته العسكرية كلفة المعركة من شهداء وأضرار مباشرة أولاً، وأن يأخذ في الاعتبار الأضرار الجانبية التي قد تنتج من هذه المعركة ثانياً، أي لا يمكن وضع متراس بين 13 بيتاً ثم أحمّل المسؤولية للعدو بقصف البيوت والمدنيين، كما لا يمكن حفر سراديب وأنفاق تحت البيوت لتهريب السلاح ثم أتّهم العدو بإرتكاب المجازر”، علماً أن ما تحدث عنه يزبك ينطبق إلى حد كبير على أداء حركة “حماس” في غزة.

لكن يزبك يرى أن “كل ذلك لا يعفي المجتمع الدولي من مسؤوليته ليضع حداً لشلال الدم الجاري في غزة، فأداء اسرائيل يجعل منها دولة مارقة بحسب شرعة الأمم المتحدة، وفي هذه الحالة تسمو القرارات الدولية على القوانين الموضعية الداخلية، وطالما أن المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية يؤمنان بحل الدولتين، فمن واجبهما أن يضغطا على اسرائيل كي تتوقف عن ارتكاب المجازر المتتالية وأن تطبق القرارات الدولية التي تصب في خانة حل الدولتين، ومن الواضح أن الدول الغربية منحازة إلى اسرائيل، بدليل أن بين الأمم المتحدة والجامعة العربية لم يستطيعوا أن يصدروا بياناً، وهذا أمر معيب”.

ويعتبر يزبك أن هذا الأداء يشجّع الفصائل الفلسطينية في غزة وخارجها على السلوك الهجين، أي استخدام حرب العصابات والاحتماء بالمدنيين كدروع بشرية، فحركات المقاومة المدنية نشأت في ظل غياب الجيوش، وهذا أمر محق، لكنه يفقد أحقيته والمنطق السليم عندما تدافع هذه الفصائل عن منطقة ولا يعود هناك مدنيون أحياء فيها، فبئس هذا الدفاع والمقاومة!

ولا يُخفى على أحد أن راعية فصائل المقاومة أي الجمهورية الاسلامية الايرانية تشرّع مفهوم الدروع البشرية وذلك من خلال فتوى لمرشدها السابق آية الله الخميني الذي لم يكتفِ بعدم تحريم استعمال هذه الطريقة وحسب لكنه يعتبرها مسموحاً بها بل ويُوصِي بها. وهذه الفتوى تُبيّن علاقة ايران مع الدروع البشرية.

أما نموذج استخدام الدروع البشرية ووضع المدنيين أمام الهجمات العسكرية فكثيراً ما يُشاهَد لدى الفصائل الميليشيوية التي أسسها النظام الايراني في المنطقة، وأهمها “حزب الله” فهو اعتاد صناعة السلاح وتخزينه واستعماله في المناطق المأهولة بالسكان. ولمعرفة قياداته بأن المناطق السكنية لن تتعرض للردّ العسكري من الطرف المقابل لوجود المدنيين فيها، تقومو باستخدامها وبهجومها العسكري وأنشطتها العسكرية منها.

من رأس الناقورة إلى جبل حرمون (الشيخ)، مصير شعب وبلدٍ معلّق على شريط ملتهب، مُسيّج بحسابات ومصالح دولية وإقليمية. الخوف من عدم حسم الحروب لمرّة واحدة ونهائية يضاهي نيرانها. فمعظم أهالي القرى والبلدات الحدودية يتألف من المسيحيين والسنّة والشيعة والدروز.

وقد أبدى بعض الأهالي ورؤساء البلديات والكهنة والشيوخ امتعاضهم من تحويل “حزب الله” وبعض الفصائل الفلسطينية قراهم وبلداتهم إلى منصات إطلاق صواريخ، ليصبح الأهالي الذين لم ينزحوا بعد دروعاً بشرية. ويشير النائب يزبك إلى أن أبناء القليعة ورميش وعين ابل رفعوا الصوت عالياً ضد هذا التكتيك، بل هم يؤيدون تحرير الأرض لكن ليس على هذا النحو، وحتماً هناك أصوات شيعية صامتة رافضة أيضاً في قلب هذه المناطق، والمؤسف أن البلدات والقرى الحدودية تعيش أجواء حرب بكل ما للكلمة من معنى إذ توقفت الحياة فيها: المدارس أُقفلت والمزارعون لا يجرؤون على الذهاب إلى أراضيهم والمستشفيات في حالة مزرية.

ويضيف: “لبنان كلّه تحوّل دروعاً بشرياً، لأن حزب الله يحقق مصالح دولة اقليمية على حساب الدولة اللبنانية وشعبها من شيعة ومسيحيين وسنّة ودروز الذين لا يريدون الحرب. نحن بأمسّ الحاجة إلى استراتيجية دفاعية يتفق فيها الشعب وجيشه على عقيدة تخاض على أساسها الحروب، وتُحدد بطريقة واضحة ما هو موضع إجماع بين الشعب وجيشه وحكومته، وكيف نواجه هذا العدو المفترض وبأي كلفة”.

أما اليوم فلا يؤمن “حزب الله” بكل الوسائل الديموقراطية ويستأثر بقرار السلم والحرب، فيعترف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأن القرار ليس عنده، ولا يُستشار النواب في قرار خطير بهذا الحجم، ونساق إلى حرب لا علاقة لنا بها، هكذا نكون قد أصبحنا رهينة لدى قوى الأمر الواقع المسلّحة.

ونسأل يزبك: أليس من الضروري إصدار بيان من المعارضة بلهجة حازمة بأن أكثرية القوى السياسية ليست موافقة على الحرب ليضغط المجتمع الدولي على اسرائيل كي تحصر عملياتها بمواقع “حزب الله”، فلا تتمدد الحرب إلى مناطق أخرى؟ يجيب: “نحن كمعارضة أصدرنا بياناً بلهجة عالية حمّلنا فيه المسؤولية لحزب الله، لكن لا نسمح لأنفسنا بأن نقتطع للحزب مواقع مخصصة له، فما ذنب المواطن الشيعي أو الدرزي إذا كان رزقه من ضمن مواقع حزب الله؟ هدفنا أن تحمي الدولة اللبنانية كل اللبنانيين بكل طوائفهم. نحن في المعارضة نمثّل جميع اللبنانيين ومواقفنا ذات طابع وطني تأخذ في الاعتبار المصلحة العليا، وعلى الـ13 ألف جندي لبناني منتشر في الجنوب إلى جانب اليونيفيل أن يقوموا بدورهم ويهتموا بالناس ويطبّقوا القانون، لأننا ننتمي إلى كل المناطق ولن نقدّم لحزب الله مناطق لا علاقة له بها طائفياً وجغرافياً ليجر الحرب اليها”.

شارك المقال