“الحزب” لن يفتح الحرب لكنه سيرد بشراسة… وفرقة الرضوان جاهزة على الحدود

ليندا مشلب
ليندا مشلب

عندما طلبت إسرائيل من جميع السفارات في لبنان تحديد مواقعها والمربعات الموجودة فيها رسمياً بالمراسلة الموثقة، فُهم أن الحرب واقعة لا محالة وأن لا منطقة ستكون بأمان وبمنأى عن الضربات.

منذ اعلان معركة “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين “أكتوبر” ولبنان يعيش تحت ضغط احتمالات جدية لانضمامه الى حرب لا تشبه أياً من الحروب التي سبقتها مع العدو. كثرت السيناريوهات وانصب ضغط العالم على الطلب من “حزب الله” عدم التدخل وفتح جبهة الجنوب، ليس خوفاً على لبنان، انما لعدم تشتيت القدرات العسكرية الاسرائيلية عن هدفها الذي وضعته لرد الضربة القاصمة التي وجهتها اليها “حماس”.

كانت أولى الرسائل أميركية عبر السفيرة دوروثي شيا التي حاولت انتزاع تطمينات من كبار المسؤولين بعدم التدخل ونقل رسائل عالية السقف تحسباً، ثم تلاها الفرنسي على لسان وزيرة خارجية فرنسا كاثرين كولونا التي هرعت الى لبنان لإبلاغه بأن لا يستخف أحد برد الفعل الذي ستقوم به إسرائيل في حال تدخل “حزب الله”، مكررة أكثر من مرة جملتها “je suis inquiete” لتعبّر عن قلقها الشديد. وقالت: “لا تراهنوا على تشغيل الجبهة الجنوبية على الخفيف لأن الأمور يمكن أن تتدحرج وتتجاوز قواعد الاشتباك في أي لحظة تشعر فيها إسرائيل بأنها مهددة وهذا التدخل لن يقتصر على معركة مع اسرائيل فقط، فالرأي العام الدولي لن يقبل بأن تهزم، والاحتمالات ستكون مفتوحة”. بعدها تحولت ديبلوماسيات العالم الى “سعاة بريد” إن بالمباشر عبر الزيارات الطارئة أو بالاتصالات الهاتفية. كل هذا و”حزب الله” صامت، يرفع من استعداداته وجهوزيته ولا يجيب عن الأسئلة ولا يعطي تطمينات، مكتفياً بالقول: “نفعل ما نراه مناسباً للمصلحة الوطنية والاستراتيجية العامة، وبدل أن تسألونا قلقين، اذهبوا واضغطوا على حليفتكم لوقف المجازر والعدوان الهمجي”.

لكن السؤال الأول الذي يقلق اللبنانيين والعالم: هل سيشن العدو حرباً على لبنان؟ لا جواب. والثاني، هل ستتمكن إسرائيل من تجاوز ما حصل وتدخل في تسوية سريعة؟ المنطق يقول ان هذه الاحتمالية صعبة جداً .أولاً، لأن التهديد بالنسبة الى اسرائيل وأميركا أصبح وجودياً وهذا ما دفع بواشنطن الى الدخول المباشر على خط العمليات من خلال ارسال قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال مايكل كوريلا، الى تل ابيب لادارة الحرب مع هيئة أركان جيش الاحتلال، ومعه فريق من كبار الضباط وخبراء من الاستخبارات العسكرية الأميركية CIA، بحيث لا زالوا موجودين في غرفة عمليات مقر وحدة الاستخبارات 504، التابعة لهيئة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ويشرفون على تنفيذ العمليات العسكرية. وأكدت المعلومات التي حصل عليها موقع “لبنان الكبير” أن كوريلا انتقل منذ أيام الى الجبهة الشمالية ووضع خطة حرب في حال تطورت المواجهات مع “حزب الله” عند الجبهة الشمالية، وهذا تأكيد على أهمية هذه الجبهة في المعركة الكبيرة والتي تؤكد أن إسرائيل تتعرض لحرب وجودية. ولعل ما عبّر عنه الرئيس الأميركي جو بايدن في بداية الحرب على غزة يعكس أسباب الدخول المباشر لواشنطن، عندما قال: “علاقتي بنتنياهو سيئة لكن أمن اسرائيل هو خط أحمر ومعركتنا هي معركة الحفاظ على إسرائيل”.

أما السؤال الثالث: متى يدخل “حزب الله” الحرب من الباب الواسع؟

في غزة احتمالات التصعيد ستظل قائمة والضغط على “حماس” سيرتفع، وفي اللحظة التي يستشعر فيها الايراني و”حزب الله” أنها ستفقد انجاز الانتصار، عندها فقط يبدأ العد العكسي وتُحبس الأنفاس. حتى الآن تردد جيش الاحتلال في اطلاق العملية البرية يفرمل مخاطر التوسع، لكن آلة القتل تعوّض جزءاً من هذا التردد، وفرضاً وصل عدد الشهداء الى ٢٥ ألفاً أو حتى ٤٠ ألف شهيد، لن تقبل إسرائيل أن تقف عند هذا العدد بوقف لإطلاق النار، لأن “حماس” ستكون المنتصرة وستحافظ على بنية عسكرية قوية ولن يحدث خلل في قيادتها لا بالسيطرة ولا بالتحكم، واذا لم تحقق إسرائيل هدفها وتفكك “حماس” وتقضي على بنيانها السياسي والعسكري وتخرق جغرافيا نفوذها، فتكون وكأنها لم تفعل شيئاً على الرغم من الخسائر البشرية الكبيرة ودماء الأطفال التي ابتلعتها.

وستستمر “حماس” في إطلاق الصواريخ على بعد ١٢٠ كيلومتر و١٦٠ كيلومتر وستبقى معادلة الردع لمصلحة “حماس”، وهذا ما لن يقبل به نتنياهو ولا بايدن ولا حتى دول كثيرة غربية وعربية، والتي سبق وحولت موقفها باتجاه مراعاة الجانب الانساني.

اذاً الهدف الاسرائيلي: كسر “حماس” واذا تحقق هذا الهدف على الرغم من أنه صعب جداً ومكلف، فلن تسكت ايران وهذا الأمر بدا واضحاً في موقف السيد خامنئي .

تقديرات حزبية وضعت الاحتمال الأخطر وهو أن يستدرج العدو “حزب الله” الى حرب لضرب الجنوب واستهداف لبنان فيغطي عدم قدرته الفعلية على الدخول الى غزة. ولكل هذه الاحتمالات تتحدث التقديرات عن الجهوزية الكاملة لـ “حزب الله” الذي نشر عند النقاط الساخنة “وحدة الرضوان” التي سبق وحذر منها رئيس هيئة أركان العدو، وهي وحدة النخبة في الحزب التي ترعب الجبهة الشمالية لما لها من قدرات عسكرية عالية في الهجوم والدفاع وكفاءات عالية في الرماية والرد السريع، وخضعت للكثير من التدريبات للقتال في أوضاع خاصة ولديها أساليب فريدة ومبتكرة في الفنون القتالية، وهي قادرة على الدخول في القتال في كل المواقع من جبال وتلال ومسطحات والتقدم بسرعة البرق وفي أقسى الظروف، وحتى الآن لم تتحرك على أي مستوى من القتال منذ بدء المواجهات المحدودة. لكن الحزب يرى أن أفضل سيناريو له الآن هو البقاء على قواعد الاشتباك نفسها في الجنوب واشغال ٣٠٪؜ من طاقة جيش الاحتلال من دون هزيمة “حماس” في غزة.

بالتوازي، تعطى الفرصة للمسعى القطري بإدخال المساعدات واجلاء المدنيين أصحاب الجوازين وعددهم ١٣٠، وخروج الجرحى وعددهم ٧٠٠ مقابل اطلاق سراح الأجانب من الأسرى أو ذوي الحالات الخاصة من دون وقف اطلاق النار الذي لا يريده أحد ولا هدنة ولا اعلان اتفاق مع “حماس”.

العارفون بمواقف بعض القادة في “حزب الله” يؤكدون أن الحزب على أعلى مستوى من الجهوزية ولا يحبذ توسيع الحرب، لكن هزيمة “حماس” في غزة ستسقط فكرة المحور وهذا ما لن تسمح به ايران مهما كلف الأمر.

شارك المقال