ماذا تقول بكركي بعد صمت طويل؟

جورج حايك
جورج حايك

استغرب كثر من اللبنانيين غياب بكركي عن الأحداث المأسوية التي تحصل بين اسرائيل والفلسطينيين في غزة وغلافها، وتراكمت علامات الاستفهام أكثر مع امتداد الاشتباكات إلى الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، وبقيت بكركي صامتة، باستثناء موقف يتيم للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي أدلى به في إطار العظة التي ألقاها خلال قداس ترأسه يوم الأحد المنصرم، في كنيسة مار مارون، في المعهد الحبري الماروني في روما.

وأهم ما قاله البطريرك: “نطلب من المسؤولين حماية لبنان في هذا الظرف الدقيق، وتحييده عن الدخول في حرب مع إسرائيل، مع التزامه وتضامنه السلمي مع الشعب الفلسطيني وقضيّته”.

طبعاً كلام الراعي واضح، لكنه مقتضب ولا يكفي لطمأنة اللبنانيين الذين يشعرون أن الدولة غائبة وقرار الحرب والسلم مع “حزب الله” الذي يأخذ في الاعتبار مصلحة إيران على نحو أساس.

لكن ما أصبح معلوماً أن البطريرك الراعي ليس في لبنان، وتشير مصادر بكركي إلى أن لديه مجمعاً مغلقاً مع البابا فرنسيس لمدة أربعة أسابيع، إلا أنه لم يقصّر، وقد دان بشدّة حرب الابادة والتدمير الدائرة بين إسرائيل والشعب الفلسطيني في غزّة. كما ندد بتهجير هذا الشعب من أرضه، وتصفية قضيّته التي عمرها 75 سنة، مؤكداً أن الحلّ الوحيد المنشود هو إنشاء الدولتين، مع حفظ “نظام خاصّ” بمدينة القدس لكونها مدينة مقدّسة للأديان الثلاثة: اليهودية والمسيحية والاسلام. وهذا ما كرره المطران بولس مطر خلال قداس في ذكرى اغتيال داني شمعون، متحدثاً عن وجوب أن يجلس المتنازعون على طاولة المفاوضات بدلاً من النزاع الدموي الدائر.

مع ذلك، تساؤلات اللبنانيين لم تتوقف: ألا يجب أن يعمل البطريرك الراعي مستفيداً من علاقاته الدولية ككنيسة مارونية لتجنيب لبنان الحرب؟ تجيب المصادر: “هذا ما يفعله البطريرك في الفاتيكان، إذ يتواجد هناك ما لا يقل عن 130 سفيراً، إضافة إلى التعاون مع قداسة البابا فرنسيس، بالعكس وجود البطريرك الراعي في الخارج يفيد لبنان أكثر في هذه المرحلة، لأن المسألة أكبر من لبنان وتتعلق بصراع دول”.

لا شك في أن بكركي تتهيّب الوضع الصعب، وتعتبر المصادر أن الشعب يحق له أن يخاف لأن الدولة اللبنانية شبه غائبة والمصير على كف عفريت، وبالتالي لا يمكن لهذا الشعب الذي يتخبّط بالانهيار أن يتحمّل حرباً جديدة، فيما الدول الغربية تحذّر من الانزلاق إلى الحرب، ولا أحد مستعد لاعادة الاعمار، وسيكون مصير الشعب اللبناني الهجرة بكل فئاته.

وتضيف مصادر بكركي: “نقولها بصريح العبارة، من يريد الذهاب إلى الحرب يجب أن يكون مجهّزاً بالسلاح والذخيرة ويجهّز ملاجئ ومستشفيات وأدوية، ويكون في وضع مالي يعزز صمود الشعب، فمن أين لنا كل هذه الأمور؟”.

وتتساءل: “هل الجيش اللبناني قادر على أن يؤمّن معيشة عناصره؟”، مستطردة: “إذا لم يكن الجيش مؤهّلاً لهذه الحرب، فمن سيحارب؟ وبإسم من؟ وبات من الضروري أن نطرح علامة استفهام في ظل وجود تنظيم مسلّح يقبض على قرار الحرب والسلم، ما هو دور الجيش اللبناني؟”.

كثر من مسيحيي الحدود الجنوبية يشعرون أن ليس هناك اهتمام من الكنيسة المارونية لدعمهم وتوفير أماكن آمنة يلجؤون إليها، إلا أن مصادر بكركي تؤكّد “أنها لا تفرّق بين المسيحيين وأبناء الطوائف الأخرى، وإذا وقعت الحرب فنحن على استعداد لفتح أديارنا لاستضافة النازحين اللبنانيين من الجنوب”.

من جهة أخرى، تنبذ الكنيسة المارونية العنف مهما كانت الجهة التي تمارسه سواء كانوا الفلسطينيين أو الاسرائيليين، وتفضّل أن تحل المشكلات الكبرى عبر الحوار والديبلوماسية، وهي تعتبر أن السيد يسوع المسيح قتل العداوة بصليبه ولم يقتل الأعداء، وهكذا يعمّ السلام.

قد يكون موقف الكنيسة المارونية طوباوياً من الصراع الدائر في غزة، إلا أنها تعتبر الحرب مأساة والعنف لا يجرّ إلا العنف، بل هي حلقة مفرغة. مع ذلك، هذا لم يمنع، وفق مصادر بكركي، أن تكون مؤيّدة للقضية الفلسطينية انطلاقاً من الرؤية العربية التي تظهّرت في القمة العربية في بيروت عام 2002، حيث طرحت الأرض مقابل السلام وإنجاز حلّ الدولتين. للأسف ان اسرائيل رفضت، وها هي تقضم من أراضي الضفة الغربية وغزة، ويبدو أنها تخاف من السلام، في حين المطلوب منها أن تحترم العلاقات مع الجوار وتخلق أجواء سلام، وإلا لن يبقى أحد في هذه البقعة من العالم نتيجة العنف والدماء والدمار.

وعلى الرغم من الوضع الأمني الحرج، لا ترى مصادر بكركي أن هناك ما يمنع انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، إذ المطلوب الاهتمام بشؤوننا الداخلية أولاً وتنظيم أمورنا وإنقاذ الشعب اللبناني من الأزمات المتتالية!

شارك المقال