غزة ليست بغداد في الرأي العام العالمي… واسرائيل خاسرة في ميدانه

محمد شمس الدين

عندما قررت الولايات المتحدة الأميركية غزو العراق عام 2003، استطاعت عبر شبكة إعلامية ضخمة الترويج للرواية التي تريدها: “أسلحة الدمار الشامل المهددة للأمن القومي العالمي يمتلكها نظام صدام حسين”، وقد أكل العالم حينها من الطبق الاعلامي الأميركي والغربي، من دون أن يستطيع التأكد من صحة الادعاءات بوجود هذه الأسلحة.

وخلال الحرب استطاعت أميركا إخفاء جرائم الحرب التي ارتكبتها في العراق، حيث كان العالم يسمع بأعداد القتلى ولكن لا يراهم، ولم يتمكن من مشاهدة أم عراقية تحمل أولادها أشلاء، ولا طفل عراقي يعانق أجساد ذويه المتفحمين.

أما اليوم وفي عصر مواقع التواصل الاجتماعي، فمن الصعب إخفاء جرائم الحرب، ومن الصعب التحكم في الرواية كما حصل منذ 20 عاماً، تحديداً أن منصة مثل X على الرغم من بعض التقييد لم تحظر الحسابات التي تظهر حجم الدمار والقتل في غزة، وحصرت إجراءاتها الشديدة بمن يروج لـ”حماس” كمنظمة إرهابية، ووضعت بعض الاجراءات الطفيفة مثل الـ shadow ban، التي تقلل من مشاهدات الحسابات التي تنشر عن جرائم الحرب في غزة، إلا أن الحسابات القوية للناشطين العرب كانت تأخذ على عاتقها نشر هذه الحسابات ونشر الفظائع من فلسطين، بالاضافة إلى الوسائل الاعلامية التي تمتلك التوثيق الذهبي، ومن الصعب تقييد مشاهداتها.

كما يبدو أن العرب تعلموا من أخطاء الماضي، بحيث تستثمر الدول العربية بالمليارات في الدول الأوروبية إن كان مباشرة في بعض وسائل الاعلام، أو في مؤسسات أوروبية ضخمة تتقاطع مصالحها معها، ولذلك لا تريد أوروبا إغضاب العرب، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى خسارة المليارات من الدولارات في الأسواق الأوروبية، ولذلك تحاول العديد من الدول الأوروبية أن تكون متوازنة في نقل الصورة بين فلسطين وإسرائيل.

لم تنفع محاولة إسرائيل تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، عندما وصفهم رئيس وزرائها بـ “الحيوانات”، ولم تستطع الآلة الاعلامية الاسرائيلية – الغربية السيطرة على الرواية المحبوكة، بحيث تنتشر مقاطع فيديو لناشطين يجولون في الشوارع يسألون الأوروبيين عن رأيهم، والغالبية في هذه الفيديوهات تقول إنها تشاهد المجازر الاسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة، والعديد منهم اطلع بسبب الحرب على القضية الفلسطينية وكيف أن سياسة إسرائيل عدائية بحق الشعب الفلسطيني، عبر الاعتداءات في الضفة الغربية والاستمرار في سياسات الاستيطان والفصل العنصري، بالاضافة إلى مئات المقاطع المنتشرة والتي تظهر عنصرية المستوطنين الاسرائيليين تجاه الفلسطينيين.

قد تغزو إسرائيل غزة، وترتكب مجازر لا يمكن تصورها، إلا أن الأكيد أن العالم لن يبتلع البروباغندا الاسرائيلية كما ابتلع بروباغندا حرب العراق، وإن استطاعت إسرائيل تسجيل نصر ميداني في غزة فهي ستخسر في ميدان الرأي العالمي.

شارك المقال