فيلم إيراني طويل من بطولة “حماس”

أحمد عدنان
أحمد عدنان

في 5 يونيو (حزيران) 2016 قال كبير مستشاري قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الايراني العميد أحمد كريم بور، إن جميع المراكز الإسرائيلية الحساسة قد تم تحديدها وإن صواريخ “سجيل” و”شهاب” الإيرانية موجهة نحو هذه الأهداف وستنطلق بصورة أوتوماتيكية. وقال المسؤول الإيراني إن تصريح الإمام علي خامنئي أنه لو تطلب الأمر فستتم إزالة تل أبيب وحيفا من الوجود في غضون سبع دقائق بعيداً عن المزاح.

وفي مارس (آذار) 2017 جدد بور تهديده ووعيده وقال إن “جميع المراكز المهمة في الكيان الصهيوني قد جرى تحديدها وسيتم تدميرها بصواريخ بعيدة المدى في غضون 7 دقائق و30 ثانية، في حال تعرضت ايران لأي اعتداء”.

وفي 3 مناسبات مختلفة (2011 – 2012 – 2019) توعد الأمين العام لميليشيا “حزب الله” السيد حسن نصر الله باحتلال الجليل في الحرب المقبلة مع إسرائيل.

التصريحات السابقة فيها رسائل واضحة بأن إيران في ساعة الجد تستطيع ان تدمر إسرائيل تماماً أو أقله تحتل الجليل، وبعد ما جرى ويجري في غزة لم تفعل إيران وميليشياتها شيئاً، مع أن “حماس” لو هزمت إسرائيل لأصبح كل العرب حمساويين، ولو أزالت إيران إسرائيل من الوجود في 7 ساعات – بدلاً من 7 دقائق – لأصبح كل المسلمين شيعة.

الوعود الإيرانية الصريحة تناساها بعض الجمهور العربي في مواقع التواصل الاجتماعي وفي غيرها وتفرغ للهجوم على الحكام العرب وعلى دول الاعتدال العربي تحت ذريعة خذلان فلسطين، ويصح الهجوم على الحكام العرب ودول الاعتدال لألف سبب وسبب ولكن ليس من هذه الأسباب القضية الفلسطينية.

الحقيقة أن دول الاعتدال، ودول الخليج بالذات لم تقصر في مساندتها الإغاثية والإنسانية للفلسطينيين، ولن تقصر، ويحسب لهذه الدول أنها لم تزعم يوماً أن مقاتلة الإسرائيليين من أولوياتها او من أهدافها، هذا ما تقوله المبادرة العربية للسلام، الحاكم العربي الوحيد الذي شن حرباً لتحرير فلسطين كان فاروق الأول ملك مصر والسودان وبعد الحرب بقليل تمت إزاحته. في الفيلم الوثائقي “حكاية ثورة”، ورد أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر – قائد الثورة التي أطاحت بفاروق والحكم الملكي في مصر – قال في اجتماع مع فعاليات أهلية من قطاع غزة، بأن لا خطة لديه ولا لدى أي زعيم عربي لتحرير فلسطين، وهو ما أكده الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه “الانفجار” إذ أعاد عبد الناصر ما قاله أمام أهل غزة لزائره في القاهرة الملك فيصل بن عبد العزيز وأضاف: “إن تحرير فلسطين مهمة الأجيال المقبلة حين تصبح الأمة العربية أفضل حالاً”.

قال الإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – “ألزموهم بما ألزموا أنفسهم به”، وبتطبيق هذه القاعدة يجدر بالجمهور العربي التساؤل عن الوعود الإيرانية النارية إزاء القضية الفلسطينية بدلاً من المزايدة على دول الاعتدال العربي.

الجرائم الإسرائيلية التي تشهدها غزة فوق كل وصف واحتمال، لذلك قرر الجمهور العربي نسيان حاضر “حماس” وماضيها المتخم بالإرهاب وبالتطرف والانحياز اليها كرد فعل على الإجرام الإسرائيلي. كان الموقف الأصح هو الانحياز الى الإنسان الفلسطيني والتمييز بين المدنيين وبين “حماس”، لكن هذا الموقف لا يشفي إحباطات جمهور العرب فضلاً عن تاريخه الطويل والمحترف في الانحيازات الخاطئة.

عملية 7 أكتوبر التي تحمل اسم “طوفان الأقصى”، جاءت في لحظة إقليمية فريدة، تمكنت غالبية دول الاعتدال العربي من دحر الإرهاب ومن تسوية أو تأجيل تحدياتها الداخلية والخارجية من اجل التفرغ للتنمية، وكانت إيران هي الخاسر الأكبر من التحولات العربية المتسارعة، فالعمامة السوداء التي جثمت فوق أربع عواصم عربية (بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء) وصلت إلى طريق مسدودة، لا تستطيع التقدم بسبب الانهيار الاقتصادي لإيران وللدول التي سيطرت عليها، ولا تستطيع التراجع خشية اندثار حلمها الإمبراطوري وخشية تهاوي نظامها الطائفي الإسلاموي الذي يتنفس باختلاق العداوات والحروب خارج الحدود، فضلاً عن أن اعتماد إيران على الميليشيات الشيعية عزز قوة خصومها وزاد من لحمتهم لأسباب وطنية وقومية وطائفية. وفي المقابل، أيضاً، جاء الدعم الأميركي والأوروبي لإسرائيل بعد “الطوفان” كإشارة مؤكدة أن القرار الدولي الذي أنشأ إسرائيل ومكنها في المنطقة ما زال ساري المفعول، ووصول حاملة الطائرات الأميركية “جيرالد فورد” إلى شرق المتوسط رسم خطوطاً صارمة تعجز إيران وميليشياتها عن تجاوزها.

إذن، فخلاصة عملية “طوفان الأقصى” هي ضرب مسيرة السلام والتنمية التي بدأت تنساب في المنطقة، إضافة إلى غسيل السمعة العسكري والسياسي لإيران وميليشياتها، لتستكمل الجمهورية الإسلاموية بالميليشيات السنية ما بدأته بالميليشيات الشيعية: إضعاف الدول العربية واستعباد العرب، أما القضية الفلسطينية ومعاناة غزة فهي بضاعة تجارية لدى الإيرانيين لا أكثر.

استيلاء إيران على القضية الفلسطينية كارثة، حين استولت الجمهورية الإسلاموية على القرار في لبنان عبر ميليشيا “حزب الله” قدمت لإسرائيل في ترسيم الحدود البحرية ما لم يقدمه الرئيس أمين الجميل في اتفاقية 17 أيار 1983 التي خونها محور الممانعة آنذاك.

تعتقد إيران أن اتفاقيات السلام الإبراهيمي موجهة ضدها، وهذا صحيح، والذي أوجع إيران حقاً أن هذه الاتفاقيات لم تجد – قبل 7 أكتوبر – معارضة عربية جدية على المستويين الشعبي والرسمي، والحقيقة أن هذه الاتفاقيات أثبتت جدواها عربياً، حقق العرب مصالحهم الإقليمية برعاية أميركية ولم تكسب إسرائيل أي شيئ في صراعها مع الفلسطينيين، ولم تحد أي دولة وقعت اتفاقية السلام مع الإسرائيليين عن موقفها الداعم للفلسطينيين بداية من مصر والأردن وليس انتهاء بالإمارات التي أدانت العمليات الإسرائيلية البرية ضد غزة، لذا كان طريفاً أن تصيح الأبواق العربية الموالية لإيران في مواقع التواصل الاجتماعي ضد اتفاقيات السلام وكأنها المسبب للجرائم الإسرائيلية في غزة، وهذا محض هراء. أعتقد أن الدول العربية يجب أن تستثمر اتفاقيات السلام بشكل أفضل داخل الأراضي المحتلة بمنع التغلغل الإيراني ومساندة الفلسطينيين سياسياً ومالياً في وجه التغول الإسرائيلي، ولعلها فرصة مناسبة للإشادة بقرار المملكة العربية السعودية التي عينت سفيراً غير مقيم في الأراضي الفلسطينية.

بمنتهى الصراحة، إن من يرجو انتصار إسرائيل على غزة أو على الشعب الفلسطيني لا يمكن تصنيفه من البشر، وفي المقابل، إن من يرى في “حماس” سبباً لغد أفضل عربياً أو فلسطينياً لا يمكن تصنيفه سوى من الحمقى. يكفي أن عملية “طوفان الأقصى” بدأت بمطالب مشروعة: إطلاق سراح كل الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية واحترام المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى، وانتهت بما قاله خالد مشعل قبل أقل من أسبوع في “سكاي نيوز” بأن “حماس” مستعدة لإطلاق سراح كل المحتجزين لديها من الإسرائيليين مقابل وقف العدوان على غزة.

حين انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 حققت ميليشيا “حزب الله” شعبية جارفة عابرة للطوائف لبنانياً وعربياً وإسلامياً، ومن كان يتحدث سلباً ضد الحزب كان يصنف على الفور كعدو للبنان وكعميل لإسرائيل، لكن الأيام أثبتت أن الحزب الإلهي حرر الجنوب ليرمي لبنان كله في الأسر الإيراني، وإذا استمر هذا التعاطف الجياش مع “حماس” سيتكرر الفيلم الإيراني بأبطال جدد، “حماس” و”الجهاد الإسلامي” – وطرفة جديدة في لبنان اسمها “قوات الفجر” التابعة لـ “الجماعة الإسلامية” – بدلاً من “حزب الله”، هل يستطيع اللبناني الذي يصفق لـ “حماس” في السوشيال ميديا أن يخبرني عن مصير بلاده إذا سيطرت على المخيمات الفلسطينية و”الطريق الجديدة”، وماذا سيجري في الأردن لو تلاشت حركة “فتح” واندمج فلسطينيو الأردن مع “حماس”؟ ما هو مصير الأمن القومي المصري إذا أصبح سلطان “حماس” و”الجهاد الإسلامي” على غزة مطلقاً بلا قيد أو شرط؟ إننا نتحدث عن القضاء على ما بقي للعرب من حاضرهم ومستقبلهم، وانطلاق موجة إرهاب جديدة تدعمها حماقة السياسات الأميركية الراهنة في المنطقة وإجرام اليمين الإسرائيلي ضد السلام وضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين.

اليوم التالي لانتهاء الحرب الراهنة سيشهد ساعة الحقيقة، دول الخليج ستكون الأقل تضرراً بسبب جودة الحياة وكفاءة الدولة، أما الدول العربية الفاشلة أو التي تستهدفها إيران فستتحول إلى مفرخة لميليشيات عربية سنية متأيرنة تتمتع بمساحة حركة أكبر من الميليشيات الشيعية، ومسرح عملياتها لن يستثني دول الخليج.. الهدف الإيراني الأهم.

ربما لن تكون القضية الفلسطينية أفضل حالاً بعد زوال “حماس”، لكن العالم العربي سيكون أفضل – بلا شك – بعد تصفية الميليشيات الإيرانية، وتستمر غزة ضحية لإرهاب الدولة الإسرائيلية ومتاجرة الإيرانيين بدماء أهلها.

شارك المقال