غزة ٢٠٢٣/ بيروت ١٩٨٢: لبنان في عين العاصفة

الدكتور خطار أبودياب

نجحت عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٣، في اعادة فرض القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي، وفي تعرض اسرائيل لنكسة جديدة في مفاجأة استراتيجية بعد نصف قرن على عبور تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٧٣. لكن تشبيه هذه العملية بـ “١١ أيلول (سبتمبر) اسرائيلي”، أدى الى اندلاع حرب غزة بضوء أخضر أميركي، وتحويل القطاع الى جحيم مع الحصيلة المروعة من الضحايا والتدمير المنهجي والحصار المحكم. ومما لا شك فيه أن مشهد غزة ٢٠٢٣ يذكرنا نسبياً بمشهد بيروت ١٩٨٢، اذ على الرغم من الفارق الزمني والمعطيات الداخلية والاقليمية والدولية وطبيعة المتصارعين، لا يزال الشعب الفلسطيني القربان على مذبح لعبة الأمم. وهذه المرة أيضاً يجد لبنان نفسه في قلب معادلة تتخطاه ويمكن أن تضع مصيره على المحك.

منذ الثامن من تشرين الأول بدأت المناوشات على جبهة جنوب لبنان بين قوات “حزب الله” والقوات الاسرائيلية، وأخذت تتصاعد مع دخول حركتي “حماس” و”الجهاد” الفلسطينيتين و”قوات الفجر” ( “الجماعة الاسلامية” في لبنان) على الخط. لكن على الرغم من الخسائر الكبيرة بين مقاتلي “حزب الله” والضربات التي تلقتها اسرائيل، احترم الطرفان ما يسمى “قواعد الاشتباك” وحصر النطاق الجغرافي. بيد أن هذا الوضع حذر وهش ويرتبط تغييره بقرار من قيادة “حزب الله” أو القيادة الاسرائيلية. وعلى ما يبدو، تركز واشنطن على منع توسع النزاع نحو حرب اقليمية، وجاء نشر حاملات طائراتها وقواتها بمثابة رسالة ردع الى إيران. وفي الوقت نفسه، حذرت ادارة (جو) بايدن (بنيامين) نتنياهو من أي ضربة استباقية ضد “حزب الله”. وفي المقابل، يبدو “حزب الله” مقيداً بالواقع اللبناني المنهار اقتصادياً والمعقد سياسياً، وكذلك بأولويات المحور الاقليمي الذي ينتسب اليه واعتباراته.

يتردد أن “حزب الله” يمكن أن يتخذ قراراً بتجاوز قواعد الاشتباك والانتقال الى منحى آخر في المواجهة في حال تفاقم الوضع في غزة وطلب “الجناح العسكري” في “حماس” المزيد من الانخراط وعدم الاكتفاء بما يسمى معارك “إشغال العدو”. وازاء كل ذلك، وفي ضوء احتمال طول المدى الزمني لحرب غزة، يمكن أن تكون جبهة لبنان هي الجبهة الثانية مع ما يعنيه ذلك من الانتقال من حالة “شبه حرب” الى دخول “حالة الحرب” في بلد مقوّض من دون رئيس جمهورية ومن دون حصانة اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومن دون غطاء اقليمي ودولي (في حرب ٢٠٠٦ لعب الرئيس الفرنسي جاك شيراك دوراً كبيراً في دعم لبنان واخراج القرار ١٧٠١ الذي أرسى قيام “يونيفيل معززة”).

والأدهى في حالة الفراغ اللبناني وعدم وجود “قرار السلم والحرب” في يد الدولة اللبنانية، تغييب لبنان وغياب دوره. وهكذا لم تتم دعوة لبنان الى “قمة القاهرة للسلام”، ولم تشمل جولة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبنان… والسبب واضح بحيث أن الدوائر الاقليمية والدولية تعتبر أن “القرار ليس في لبنان بل في طهران” وليس هناك من داعٍ لاشراك من يمثل لبنان الرسمي. ومن نافل القول، ان افتقاد لبنان بعده العربي وتراجع علاقاته الخارجية يسهمان في انكشافه.

في صيف ١٩٨٢ شهد العالم احتلال إسرائيل أول عاصمة عربية، بيروت، وانتهى الأمر بمجزرة صبرا – شاتيلا في مخيم فلسطيني، وبتحولات لبنانية دراماتيكية لا يزال يدفع لبنان ثمنها حتى اليوم. وفي تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٣ يشهد العالم على مأساة مروعة في غزة، الموت الزؤام والخراب الكبير والعزيمة الفلسطينية التي لا تهون.

لبنان المتروك لقدره والمنكشف داخلياً وخارجياً يمكن أن يدفع غالياً الثمن في هذا النزاع اذا جرى إقحامه في الحرب أو استدراجه اليها… إلا أن العديد من التجارب والتحديات يدلنا على أن لبنان مهما كانت جراحه وآلامه هو بلد لا يموت.

شارك المقال