فذكّر إن نفعت الذكرى!

صلاح تقي الدين

منذ عام بالتمام والكمال، وصل عهد الرئيس “القوي” ميشال عون إلى نهايته ويحتفل اللبنانيون بهذه الذكرى لرحيل من وقع في عهده المشؤوم أسوأ انفجار غير نووي في العالم أطاح مرفأ العاصمة وأودى بحياة المئات وشرّد الآلاف اثر تهدم منازلهم، بعدما كان “العهر” السياسي الذي مارسه قد تسبّب بوقوع البلاد في أزمة اقتصادية ومالية لا تزال مفاعيلها تتردد حتى اليوم، وليس معروفاً ما إذا كان بمقدورنا الخروج منها في ظل الظروف “الحربية” التي تمر بها المنطقة وانعكاسها على حدودنا الجنوبية.

غير أن المؤسف أن كل من يحتفل بزوال العهد القوي، لا يتذكّر أن أزمة أشد وطأة خلّفها لنا عون وصهره المعجزة بمساندة ودعم من الحليف “اللدود”، “حزب الله”، وهي أزمة الشغور في موقع الرئاسة وما ترّتب على ذلك من شغور في مواقع أخرى ما أدى إلى تحلّل مؤسسات الدولة وانهيارها الواحدة تلو الأخرى.

ومع اندلاع “طوفان الأقصى”، هذه العملية البطولية التي وإن أثبتت أن جيش العدو الصهيوني لم يعد ذلك الجيش الذي لا يقهر، وأعادت إلى الأذهان “نوستالجيا” القضية الفلسطينية التي يبدو أن المؤامرة لتصفيتها أضحت عالمية مع “الازدحام” غير المسبوق منذ الحرب العالمية الثانية لأساطيل 11 دولة في البحر المتوسط لدعم إسرائيل، انشغلت الأوساط السياسية المحلية بمحاولات البحث عن حجة أو وسيلة تبعد ترددات “الطوفان” عن الحدود الجنوبية، واضعة مسألة الشغور الرئاسي في الدرجة الثانية أو الثالثة من اهتماماتها.

صحيح أن الحرب القائمة حالياً في الجنوب، ومن لا يدرك أن ما يجري هو حرب فعلية يكون بعيداً عن الواقع، تتقدّم بمفاعيلها إن تطوّرت على كل ما يشغل بال اللبنانيين والمسؤولين منهم على وجه الخصوص، غير أن ذلك لا يعفيهم من الاهتمام الجدي بمسألة ملء الشعور في موقع الرئاسة الأولى، والوضع المشتعل جنوباً سبب إضافي لذلك.

لقد اهتمت حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي بمسألة معالجة الشغور في المديرية العامة للأمن العام وأسعفها النظام الداخلي للمديرية بتمرير تعيين اللواء الياس البيسري مديراً عاماً بالوكالة خلفاً للواء عباس ابراهيم الذي انتهت ولايته، فتنفست الحكومة الصعداء لعدم وقوع رئاسة موقع أمني مهم في الفراغ.

وانتقل اهتمام الحكومة إلى الاهتمام بمسألة عدم إحداث أي اهتزاز في سعر صرف الليرة المتدهور أصلاً مع قرب انتهاء ولاية الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة، فوقعت في المحظور عندما أرادت البحث في تعيين حاكم أصيل بديلاً من سلامة، وذلك لأسباب معروفة تتعلق بمعارضة القوى المسيحية لأي قرار تعيين تقوم به الحكومة التي هي في موقع “تصريف الأعمال”، غير أن المخرج أيضاً كان سهلاً بوجود نص قانوني يحيل الحاكمية عند الشغور على النائب الأول للحاكم وهذا ما حدث مع تولي وسيم منصوري الحاكمية، فمر القطوع الثاني على خير وكانت القرارات الحكيمة التي اتخذها الحاكم “بالوكالة” عاملاً مساعداً في تثبيت سعر الصرف وعدم اهتزازه.

والهم الرئيس اليوم هو تفادي وقوع الشغور في المؤسسة العسكرية الأم، ذلك أن “الكيد” السياسي يتحكم بقرار منع الحكومة من تعيين رئيس للأركان خلفاً للواء أمين العرم والذي بموجب قانون الدفاع هو الوحيد الذي يحق له أن ينوب عن قائد الجيش في تسيير شؤون المؤسسة العسكرية عند غيابه، وذلك مع اقتراب موعد إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون على التقاعد في كانون الثاني المقبل.

وكذلك الحال مع موعد نهاية ولاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في حزيران المقبل، فلا تضعوا العربة أمام الحصان، اذ لا يزال أمامكم متسع من الوقت والأمر ليس طارئاً.

غريب كيف أن همّ الحكومة والمجلس النيابي ينصب على تفادي الشغور في المؤسسات العامة ولا يحظى الشغور في الموقع الدستوري الأول باهتمام يجعل من تفادي الشغور في كل المواقع الرسمية مسألة إدارية بحتة يمكن حلها وفقاً للدستور والقوانين.

“فذكّر إن نفعت الذكرى”.

يا أيها الذين كتب على اللبنانيين أن تكونوا “قوامين” على مستقبلهم وحياتهم وأرزاقهم، لا تجعلوا من الظروف المحيطة عذراً لكي تنشغلوا عن القيام بأقل واجباتكم التي أولاها لكم الشعب المقهور، فسارعوا إلى انتخاب رئيس يقوم بعدها بتكليف من تسمية الاستشارات النيابية الملزمة بتشكيل حكومة تمثل أمام المجلس النيابي لتنال ثقته، فتنتظم الأمور الدستورية والادارية ولا تعود اهتماماتكم وخلافاتكم منصبة على تفادي وقوع الموقع الفلاني أو العلاني في الشغور.

إذا كانت الحرب، والتي بكل أسف قرارها وقرار السلم ليس بيدكم، واقعة، فمن الأولى أن تقع بوجود هيكلية دستورية متكاملة وعندها لا حول ولا قوة، تقع على هذه الهيكلية مسؤولية معالجة آثارها وتداعياتها، أما أن تظلوا “تترجوا” الجهة الفلانية أو “الحزب” الفلاني لعدم الانجرار إليها، فذلك كالضرب في الرمل لا فائدة منه.

ضعوا خلافاتكم جانباً، واستمعوا إلى لغة العقل والمنطق التي تحذّر من خطورة ما هو آت على المنطقة بأسرها، وإن كنتم عاجزين عن إحداث أي تغيير في مسار الأمور الاقليمية، وهذا بديهي بحكم فقدان العالم والمحيط الثقة بكم، فعلى الأقل كونوا على قدر المسؤولية وانتخبوا الرئيس، أي رئيس، لعلكم تستعيدون ما فقدتم من احترام اللبنانيين لكم.

شارك المقال