أهالي غزة يساعدون فرق الاسعاف بآلية جديدة واشارة لاسلكية

آية المصري
آية المصري

“شهيق، زفير، أنا بين الأنقاض، أكاد أختنق وما من منقذ سوى رب العالمين وفرق الاسعاف، أحبس أنفاسي التي تضيق أكثر فأكثر ولم يعد بامكاني تحمل الركام فوق وجهي وجسدي، فأنا عاجز عن التحرك، لا أشعر بأطراف يديّ ولا أقدر على تحريك قدميّ، أسمع أصواتاً من حولي وأشم رائحة جثث الى جانبي، فهل سيكون مصيري كمصيرهم أم أن معجزة ستنقذني وتبقيني على قيد الحياة؟ مهلاً مهلاً، أسمع من ينادي: في حد عايش في حد عايش؟، إنها فرق الاسعاف أتت لانقاذي وإنتشالي من تحت الركام بعد مضي الكثير من الوقت”، هذه معاناة طفلة من غزة انتشلت من بين أنقاض القصف الوحشي روتها لأحد الصحافيين، الذين يعايشون هذه اليوميات ويروونها من الداخل لـ “لبنان الكبير”.

وتساءلت الطفلة لدى انقاذها: “أين أنا؟ لم أعد أعرف المكان نتيجة القصف الوحشي الذي تعرضنا له. أين بيتي وعائلتي، فأنا لا أراها معي، أين ذهب الجميع؟ وماذا عن أصدقائي في الحي؟ ليست هناك سوى سيارة اسعاف واحدة كيف ستتسع لنا جميعاً؟ ما هذا الخراب الذي أراه أمامي، ولماذا الناس هم من يحملون الجرحى والمصابين؟ لماذا هناك تكتوك ودابة وعربة خضار وبرادات سوبر ماركت؟ هل سنجلس فيها لتنقلنا الى المستشفى؟ هناك عدد كبير جداً من المصابين وأشعر أنه لا يمكن إسعافنا ولا مأوى لنحتمي به من قصف العدو الغاشم. سيارات مدنية كثيرة في الطرق المؤدية الى المستشفى، وهي من تنقل العدد الأكبر منا الى المستشفيات، حيث داخل غرف الطوارئ أكثر من مئة شخص مرميين على الأرض تجري معالجتهم، وهناك خيم بيضاء اللون كتب عليها أنها مخصصة لوضع جثث الشهداء، الأصوات والضجيج والبكاء يملأ المكان كله. وبعدما جرت مداواتي وتطبيب جروحي جلست خارج غرفة الطوارئ في باحة المستشفى، فأتى رجل وجلس بالقرب مني، وسألته: ماذا يحصل؟ ولماذا المدنيون هم من يقومون بنقل الجرحى وانقاذهم؟ ولماذا عدد فرق الإسعاف تقلص هكذا؟

أخبرني العم بما يحصل، قائلاً: “بعدما عزلت إسرائيل قطاع غزة بأكمله عن العالم الخارجي من خلال قطع الانترنت والاتصال عنا، قصف عدد كبير من سيارات الاسعاف ما جعل الأوضاع تزداد سوءاً بعد تعطل الكثير منها، وبالتالي لم تعد الناس قادرة على التواصل مع فرق الانقاذ لإخبارها ماذا يحصل وأين يقصف العدو وطلب النجدة، وبات الجميع حتى الصحافيون غير قادرين على تحديد أماكن القصف أو عدد المجازر التي ارتكبت بحق أهاليهم، وبالتالي اعتمدت فرق الانقاذ آلية جديدة بمساعدة شباب المنطقة، وهي أن سيارات المدنيين الموجودة في الشوارع تقوم بجولات لنقل الاصابات الى المستشفى وتتجه بعد ذلك الى مركز اللاسلكي للإسعاف، للابلاغ عن حصول قصف ومجزرة جديدة بحق هذا الحيّ، فتتوجه فرق الإسعاف المتبقية الى المكان المحدد بعد تلقيها هذه الاشارة اللاسلكية”.

وأكد العم أن “عدد المصابين لا يمكن تحديده او حصره داخل مستشفى واحد، بل تمكنا من تحديد العدد الاجمالي داخل كل مستشفيات قطاع غزة الذي تجاوز الثمانية آلاف، وهذا السيناريو يتكرر كل يوم خصوصاً وأن هناك الكثير من الجثث التي لا تزال عالقة تحت الأنقاض ولم تتمكن فرق الإسعاف من إخراجها بسبب شدة القصف وعدم توافر الوسائل الطبية المساعدة وإنعدام الاتصال بين حين وآخر”، واصفاً عمل المدنيين وفرق الاسعاف بـ “البطولي الذي إرتقى الى أعلى مستويات الانسانية، فكل شخص يسعف وكل الطواقم والكوادر الطبية تُرفع لها التحية لأنها تداوي أهالي غزة باللحم الحيّ”.

وبعدما أوضح العم حقيقة ما يجري وطبيعة العمل الذي تقوم به فرق الانقاذ وأهالي غزة، عدت لأرى بوضوح مشهد الأهالي وهم يبكون على فراق أحبائهم، وأسمع مجدداً هدير طائرات العدو الاسرائيلي وصوت قصفه المتواصل، ليبقى السؤال متى سيتنهي هذا الكابوس في غزة؟

شارك المقال