“وثيقة ليبرمان” حذرت من “طوفان حماس” أمام إسرائيل

عبدالرحمن قنديل

السابع من تشرين، يوم صدمة طعمه مرّ أقرب إلى نكسة هزت قوة إسرائيل التي لطالما أقنعت العالم بأنها لا تقهر، ولكن على أرض الواقع كل شيئ يتغير، مع عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها “كتائب عز الدين القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” على إسرائيل، وشملت هجوماً برياً وبحرياً وجوياً وتسللاً إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة.

ويرجع سبب تسمية العملية بـ “طوفان الأقصى” إلى الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في مدينة القدس، ووقعها كان مفاجئاً على إسرائيل من جهة وعلى باقي دول المنطقة من جهة أخرى، بحيث جرف الطوفان مشاعرها نحو التعاطف مع القضية الفلسطينية وإعتماد “حماس” عنصر المفاجاْة الذي خدع إسرائيل وأخضعها، فيما وقفت دول الغرب مع اسرائيل من خلال هول ما حدث وحجم تأثيره عليها ما استدعى الدفاع عن مظلوميتها المزيفة ودعمها بالقواعد العسكرية والمساعدات العسكرية لضمان بقاء دولتها وخشية زوالها.

وكان تصريح وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن مع بداية “الطوفان” بأن إسرائيل تشهد أسوأ هجوم منذ العام 1973 تعبيراً واضحاً عن تأثير العامل المفاجئ الذي فرضته “كتائب القسام” للمرة الأولى منذ الصراع العربي – الاسرائيلي إن كان على إسرائيل أو دول المنطقة، ولكن وللمفارقة المفاجئة نشر الوثيقة التي أعدها أفيغدور ليبرمان، عندما كان وزيراً للدفاع سنة 2016، وحذّر فيها بصورة واضحة من خطر هجوم قد تشنه حركة “حماس”، تماماً كما حدث في 7 تشرين الأول، بالتزامن مع اتساع المطالبة باستقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ووفق الوثيقة، التي صُنِّفت بأنها “سرية جداً”، فإن ليبرمان، عندما كان وزيراً للدفاع في حكومة نتنياهو وجّه إليه مذكرة مفصلة من 11 صفحة يشرح فيها بالتفصيل أن “حماس” باتت قوة عسكرية طموحة تخطط لهجوم هدفه “القضاء على إسرائيل حتى العام 2022، وتحرير جميع أراضي فلسطين”.

وتنص الوثيقة التي نشرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت”، على أن “حماس” تعتزم نقل المواجهة القادمة إلى الأراضي الاسرائيلية، من خلال ضخ قوات كبيرة ومدرَّبة جيداً، مثل قوات النخبة اليها، واحتلال بلدة إسرائيلية، وربما بلدات عدة، في غلاف غزة واحتجاز رهائن، عدا عن استهدافهم جسدياً، وسيؤدي ذلك إلى استهداف شديد لوعي مواطني إسرائيل ومعنوياتهم.

وأشارت الوثيقة الى أن “حماس” وضعت لنفسها غاية صريحة هي القضاء على إسرائيل حتى العام 2022، وخلال سلسلة مداولات في إطار اجتماعات اللجنة التنفيذية للحركة التي عقدت في قطر في 25 – 27 أيلول عام 2016، أوضحت أنها بحاجة إلى “فترة تهدئة من أجل استكمال بناء قوتها وجاهزيتها”.

ووفق الوثيقة فإن “حماس” معنية بأن تكون الحرب القادمة ضد إسرائيل متعددة الجبهات، بواسطة بناء جبهات أخرى إضافة الى قطاع غزة سواء لبنان، سوريا، الأردن، أو سيناء وحتى ضد أهداف يهودية في أنحاء العالم، وتسعى الى توسيع صفوف مقاتليها إلى 40 ألف ناشط حتى العام 2020، وتعزيز قوتها سيكون في المنظومة البرية المقاتلة، وفي أعقاب ضائقتها الاقتصادية المتنامية، طلبت الحركة من إيران مساعدة بمبلغ 50 إلى 60 مليون دولار.

وخلصت الوثيقة إلى أن عدم القيام بمبادرة إسرائيلية حتى منتصف العام 2017، سيكون خطأً خطيراً من شأنه أن يقود إسرائيل إلى وضع استراتيجي صعب، وأن يؤدي إلى تدهور ليس مخططاً له، بينما لن تتمكن إسرائيل في سيناريو مثل هذا من اغتيال قيادة الذراع العسكرية لـ “حماس”، أو أسوأ من ذلك أن تفتح الحركة مواجهة في توقيت مريح لها. وكتب ليبرمان في الوثيقة: “أعتقد أن عواقب عملية كهذه من جانب حماس من شأنها أن تكون بعيدة المدى، ومن نواحٍ معينة ستكون العواقب أشد من نتائج حرب يوم الغفران تشرين الثاني 1973″.

أشار الباحث في الشأن الاسرائيلي فراس ياغي في حديث لـ”لبنان الكبير” إلى أن “المسألة إرتبطت بحرب الـ 2014 بعدما قامت كتائب القسام والفصائل الفلسطينية بعمل تقويم لما حدث خلال الحرب التي تأخرت في تلك الفترة، فثبت بأن على المقاومة الفلسطينية أن تجهز بنيتها التحتية ليس من حيث التسليح بل من حيث مدينة الأنفاق أو ما يسمى بمترو الأنفاق وبدأ العمل في التجهيز والإعداد منذ تلك الفترة، لذلك عملت بصورة كبيرة على مدينة الأنفاق تحت غزة ووصلت الآن من 100 إلى 500 كلم بعمق 80 كلم داخل القطاع بثلاث طوابق في بعض المواقع في قطاع غزة”.

ولفت ياغي إلى أن “البنية التحتية التي عملت عليها المقاومة أعطت لحماس إمكان العمل بهدوء وأن تجهز وتعد نفسها من الناحية العسكرية بصورة كبيرة باعتبار أنه يجب أن يكون لدى المقاومة سلاح قادر على مواجهة الآلة العسكرية الاسرائيلية، لذلك إعتمدت أسلوب المضادات ضد الدروع والمسيرات والصواريخ”.

وقال: “كانت هناك مراقبة وملاحظة من الأمن العام الاسرائيلي لما يجري في داخل القطاع بالاضافة إلى التقارير التي ظهرت عام 2016 بأن هناك قوة حقيقية تجهز داخل القطاع يمكن أن تشكل مشكلة حقيقية بالنسبة الى إسرائيل في لحظة من اللحظات، ولكن المستوى السياسي وعلى رأسه بنيامين نتنياهو كان يفكر في ذلك الوقت من الناحية السياسية بأن يبقي على الإنقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة لأن إبقاء حماس في الحكم في القطاع سيؤدي إلى منع قيام دولة فلسطينية ويعطي إسرائيل مبرراً بأن لا قيادة سياسية فلسطينية للتحدث معها، لذلك كان نتنياهو يسمح بدخول الأموال القطرية ولا يريد إتخاذ قرار في ما يتعلق بمستقبل قطاع غزة”.

وأعرب ياغي عن إعتقاده أن “كتائب القسام بادرت بعد حرب سيف القدس عام 2021 الى وضع قواعد إشتباك جديدة تتعلق بالقدس وقطاع غزة لكنها لم تنجح في تلك الفترة في وضع قواعد تتعلق بالقدس، لأن هذا شعار كبير بحاجة الى قوة كبيرة من أجل فرضه في ما يتعلق بالأماكن المقدسة ومدينة القدس، وفي تلك اللحظة وضعت حركة حماس تقويماً لما قامت به وإكتشفت أن الشعار الذي طرحته غير قادرة على تحقيقه وأنها أخطأت لذلك عملت في تلك الفترة على الاعداد للقيام بعمل رادع لإسرائيل، والمناورات طويلة المدى مع الجانب الاسرائيلي بدأت منذ سنتين تقريباً لدرجة أن المستوى السياسي والأمني في إسرائيل وجد أن حماس مردوعة وتبحث عن معيشة السكان ولديها مشكلات داخلية وأوصلت رسائل لم تكن سياسية ولا إقتصادية ولا حتى أمنية من خلال تسريب بعض الناس خرائط تتعلق بالأنفاق وأماكن تتعلق بالتخزين تبين لاحقاً أن كل ذلك تضليل ولا أساس له لأنها كانت تعد نفسها لهذا اليوم، لذلك فوجئت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بذلك”.

وأكد أن “الاستخبارات الاسرائيلية وجهاز الأمن العام الداخلي فشلا في تقوم الحالة الداخلية في غزة لأنهما كانا يعتمدان على أن حماس لا تريد أن تفعل شيئاً لأنها مردوعة وتبحث عن كيفية التخفيف من وطأة الحصار على قطاع غزة، وهذا ما فاجأ الجميع في عملية السابع من تشرين”.

شارك المقال