القنابل الفوسفورية الفتاكة… للتعتيم على العمليات العسكرية

نور فياض
نور فياض

“حريق في المناطق الحدودية جراء قصفها من العدو الاسرائيلي بالقذائف الفوسفورية”، للوهلة الأولى يعتقد البعض أن الخبر كاذب نسبة الى أن القنابل الفوسفورية محرمة دولياً، لكن الخبر لا غبار عليه، اذ بات يرد يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي كافة، فهذا العدو لا تهمه اتفاقات ولا يحترم القرارات الدولية، ويستخدم هذه القنابل في كل حرب يشنها من دون أن يردعه رادع، فمن يرتكب المجازر أو الابادة الانسانية لا يأبه للمجازر البيئية.

ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها اسرائيل الى استخدام القنابل الفوسفورية في حروبها على غزة، اذ أنها استخدمتها في حرب ٢٠٠٨ – ٢٠٠٩ وفي حرب ٢٠١٤ وأثارت حينها انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي.

ووفق تصريح سابق لمندوب فلسطين الدائم في مجلس حقوق الانسان السفير إبراهيم خريشة، فان “إسرائيل انتهكت المواد الـ 149 المنظمة لاتفاقية جنيف الرابعة لحقوق الانسان، وتنصلت من التزاماتها القانونية منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية عام 1967، على الرغم من أنه يفترض أنها عضو في الأمم المتحدة وموقعة على الاتفاقية”.

تستخدم اسرائيل هذه القذائف يومياً على الأراضي اللبنانية ما سبب خسائر جمة على مستوى النباتات والمساحات الخضراء، فوفق وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن، ان الأضرار التي تتابعها لجنة خاصة في وزارة الزراعة تعدت مساحتها 550 دونماً، وتخطت الـ 40 ألف شجرة زيتون معمرة، خلال 130 حريقاً افتعلها العدو حتى ساعات الفجر الأولى من يوم أمس.

يؤكد المستشار الاعلامي في “الحركة البيئية اللبنانية” مصطفى رعد لـ “لبنان الكبير” أن “العدو أطلق منذ السابع من تشرين الأول حتى اليوم قذائف فوسفورية على ٢٢ منطقة حدودية منها: رب ثلاثين، يارين، العديسة، كفركلا، أطراف الناقورة… ما سبب حرائق في أحراجها”، موضحاً أن “القنابل الفوسفورية هي مادة شمعية تُصنع من الفوسفات، لونها أبيض مائل إلى الاصفرار، ورائحتها قريبة الى رائحة الثوم. يتفاعل الفوسفور الأبيض مع الأوكسيجين بسرعة كبيرة، وتنتج عن هذا التفاعل غازات حارقة ذات حرارة عالية تصل الى 815 درجة مئوية، وسحب من الدخان الأبيض الكثيف”.

الآثار البيئية

ويشير رعد الى أنّ “الفوسفور الأبيض يترسّب في التربة أو في أعماق الأنهار والبحار وعلى الكائنات البحرية مثل الأسماك، وهو ما يهدّد سلامة البيئة والانسان، ويتسبّب بتلويث الماء والتربة. ويمكن أن تنفذ بقايا مكوّنات قنابل الفوسفور ‏الأبيض إلى المياه القريبة من مواضع استخدامها، كما تستقر في رواسب الأنهار ‏والأحواض المائية ، بفعل مياه الأمطار التي تعمل على سحب المخلفات الكيميائية من تلك القنابل ‏إلى مجار مائية قريبة”،‏‏ لافتاً الى أن “مخلفات القنابل الفوسفورية عندما تترسب في التربة الزراعية تفقدها خصوبتها لفترات طويلة، إذ تقتل البكتيريا المسؤولة عن تحليل المادة العضوية وتثبيت عنصر النيتروجين فيها، وينتقل التلوث إلى النباتات والمزروعات ويصل إلى المياه الجوفية عن طريق الأنهار والري، وبالتالي يؤدي إلى نفوق ‏الطيور المائية.”

ويكشف رعد أن “الفوسفور الأبيض يستخدم للتعتيم على العمليات العسكرية على الأرض، بحيث تصدر عنه ستارة من الدخان لإخفاء الحركة البصرية للقوات. كما أنّه يتداخل مع بصريات الأشعة تحت الحمراء، وأنظمة تتبع الأسلحة، وبالتالي يحمي القوات العسكرية من الأسلحة الموجّهة مثل الصواريخ المضادة للدبابات.”

المخاطر الصحية

ويحذر رعد من أن “الفوسفور الأبيض هو سلاح فتّاك يترك حروقاً بليغة في جسم الانسان ويصل إلى إذابة العظام البشرية كما يترك آثاراً في الفم والحلق والرئتين، إذ يهيّج استنشاقه لفترة قصيرة القصبة الهوائية والرئة، وتنتج ‏من ذلك نوبات سعال شديد بين الأفراد، تكون مصحوبة بتهيّج في الجلد والأنسجة المعرّضة للدخان، أما التعرّض له لفترة طويلة، فيسبب جروحاً في الفم، ويكسر عظمة الفك”.

الوقاية منها

اما عن كيفية التعامل مع حرائق الفوسفور الأبيض في الغابات والأحراج والمساحات المزروعة، فيقول رعد: “بحسب معطيات المعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية نيوش، يمكن التعامل مع خرائط قنابل الفوسفور الأبيض على الشكل التالي: من الضروري عدم رش هذه المواد المشتعلة بالمياه، الدفاع المدني يستعمل فوهات المياه، ويستخدم رمالاً مرطبة، تربة رطبة أو رذاذ المياه الباردة، الذي نستخدمه عند الحرائق الكبيرة، أو يتم تكثيف الضباب وطبعاً لبنان لا يملك هذه التقنية، فعادة المزارعون أو أهالي المناطق يتحدون الخطر لمحاولة اطفاء الحرائق. كما لا يمكننا استعمال المخباط الزراعي كالشوكة مثلاً، فهذه الأدوات توسّع رقعة انتشار الفوسفور الأبيض. وعلى شباب الدفاع المدني الابتعاد ما لا يقل عن ٨٠٠ متر من مكان اندلاع هذه الحرائق.”

ويشدد رعد على أن “الأسلحة الحارقة ومن ضمنها الفوسفور الأبيض تخضع بموجب القانون الدولي، للبروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية، وانضم لبنان وفلسطين اليه سنة ١٩٨٠، ولم توقع عليه اسرائيل حتى الآن، ويجب تعديل هذا القانون من الامم المتحدة”، موضحاً أن “في هذا البروتوكول ثغرتين يجب تعديلهما، أولاً، يقيّد استخدام بعض الأسلحة الحارقة التي تطلق من الأرض في الوقت عينه، يشمل تعريف البروتوكول الأسلحة الحارقة بأنها الأسلحة المصممة لاشعال النيران وإحراق الأشخاص. وبالتالي يستثني الذخائر المتعددة الأغراض كالتي تحتوي على الفوسفور الأبيض، اذا استخدمت كستائر دخانية، حتى لو كانت لديها الآثار الحارقة نفسها. لذا من الضروري سعي عدد من الدول الى تعديل اتفاقية الأسلحة التقليدية وسد الثغرات”.

اذاً، عدة قوانين واتفاقات حرّمت استعمال القنابل الفوسفورية ولبنان تقدم بشكوى الى الأمم المتحدة فهل سيلقى جواباً؟ وهل ستتوقف اسرائيل عن استخدام الفوسفور الأبيض وتلجأ الى غاز الأعصاب وقنابل الاسفنج التي كما توقعت صحيفة “التلغراف” أنها “السلاح الجديد لاسرائيل لمنع أنفاق حماس”؟ ونذكر بأنّ عدداً من الجنود الاسرائيليين فقدوا بصرهم لدى استخدام هذه القنبلة، فهل الاسفنج هو السلاح القادم؟

شارك المقال