المد الوردي اللاتيني… مع الفلسطينيين

حسين زياد منصور

لا تعد مواقف دول أميركا اللاتينية مفاجئة أو صادمة، خصوصاً عندما تتعلق الأحداث بالقضية الفلسطينية. وقد أثارت اعجاب العديد من العرب، مع العلم أن مواقفها الداعمة لفلسطين والمنددة بالأعمال والخروق الاسرائيلية للقانون الدولي الانساني، وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين، ليست جديدة، بل تاريخية.

يرى العديد من المحللين أن سبب التضامن الأميركي اللاتيني مع الفلسطينيين يعود الى مقارنة ما يقوم به الاسرائيليون ضد الفلسطينيين، بالانتهاكات التي كانت تحصل مع الشعوب الأصلية في أميركا اللاتينية، الى جانب محاولات الاستعمار والهيمنة الاقتصادية والعسكرية على الموارد.

وهنا لا بد من التوضيح أن عدداً كبيراً من الدول في أميركا اللاتينية، ذات توجه يساري، خصوصاً في الفترة الأخيرة، بعد موجة “المد الوردي”، والمبادئ اليسارية لا تتوافق مع السياسات الاستعمارية التي تمثلها إسرائيل، مع العلم أن بعض الدول اللاتينية، كان يتمتع بعلاقات ود مع إسرائيل، عندما كان اليمين يحكمه.

مع بداية “طوفان الأقصى”، وإطلاق إسرائيل عملية “السيوف الحديدية”، وبدء القصف الهمجي الاسرائيلي لتدمير قطاع غزة، عبّرت الدول الأعضاء في “التحالف البوليفاري لشعوب أميركتنا” (ألبا) عن أسفها الشديد لتصاعد أعمال العنف في قطاع غزة، وهو ما يهدد السلام الدولي وينتهك القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه، وفق بيان المنظمة. كما أعربت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، مطالبة بالامتثال الى القرارات الأممية بشأن إنشاء دولتين على حدود ما قبل العام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.

وتضم “ألبا”، دول فنزويلا وبوليفيا وكوبا والدومينيكان وغرينادا ونيكاراغوا وسانت لوسيا وسانت فينسنت والغرينادين وأنتيغوا وباربودا وسانت كيتس نيفيس.

بوليفيا

وكانت بوليفيا قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل جراء هجومها على قطاع غزة. وعبر منشوره على مواقع التواصل الاجتماعي كان الرئيس البوليفي لويس آرسي أكد رفضه لجرائم الحرب التي ترتكب في غزة، داعماً المبادرات الدولية لضمان دخول المساعدات الانسانية، بما يتوافق مع القانون الدولي.

أما نائب وزير الخارجية البوليفي فريدي ماماني، فقال ان بلاده قررت قطع العلاقات الديبلوماسية مع الدولة الاسرائيلية رفضاً وتنديداً بالهجوم الاسرائيلي العدواني وغير المتناسب الذي يجري في قطاع غزة.

وتعد بوليفيا أول دولة تقطع علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل بسبب الحرب التي تشنها على قطاع غزة، وهذه ليست المرة الأولى، اذ في العام 2009، قطعت علاقاتها الديبلوماسية معها، احتجاجاً على هجومها على القطاع، وذلك في عهد الرئيس اليساري إيفو موراليس. لكن في العام 2020، أعادت العلاقات رئيسة البلاد المؤقتة جنين أنييس، وللمفارقة هي يمينية.

ودعت بوليفيا وتشيلي الى وقف إطلاق النار، وضرورة السماح بمرور المساعدات الانسانية الى القطاع، وأشارتا الى أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي.

فنزويلا

قطعت فنزويلا علاقاتها بإسرائيل خلال الحرب على غزة بين العامين 2008 و2009، ثم أقامت علاقات ديبلوماسية مع السلطات الفلسطينية.

وإثر “طوفان الأقصى” أعربت فنزويلا عن قلقها مما يحصل في قطاع غزة، وطالبت إسرائيل بالامتثال الى قرار مجلس الأمن رقم 2334، والذي يضع حداً فورياً وكاملاً لجميع أشكال العنف الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية.

وكان لافتاً كلام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عما يحصل في غزة، اذ قال: “مرَّت 75 عاماً على أكبر عملية سَلبٍ معروفة في التاريخ هي سلبُ الأرض الفلسطينية”.

كوبا

تعد كوبا الدولة الوحيدة في القارة الأميركية التي لا تعترف بإسرائيل كدولة، اذ قطعت علاقاتها بها خلال قمة حركة عدم الانحياز المنعقدة في الجزائر عام 1973.

وكان الموقف الحكومي الكوبي واضحاً عبر بيان نشرته الحكومة، واعتبرت أن كل ما يحصل نتيجة 75 عاماً من انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني وسياسة إسرائيل العدوانية والتوسعية، مطالبة بحل شامل وعادل ودائم يسمح للشعب الفلسطيني بممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة ضمن حدود ما قبل العام 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها.

ودعت مجلس الأمن الى القيام بمسؤولياته ووضع حد لافلات إسرائيل من العقاب، واصفة اياها بأنها القوة المحتلة التي وقفت الولايات المتحدة إلى جانبها طوال التاريخ.

السلفادور

الموقف السلفادوري كان عنيفاً وغير متوقع، اذ ان الرئيس السلفادوري الحالي نجيب بوكيله، فلسطيني الأصل، وأشار عبر مواقع التواصل الاجتماعي الى ان أفضل شيئ يمكن أن يحدث للشعب الفلسطيني هو اختفاء “حماس” تماماً، “فهذه الوحوش لا تمثل الفلسطينيين، وأي شخص يدعم القضية الفلسطينية سيرتكب خطأ كبيراً بالوقوف إلى جانب هؤلاء المجرمين”.

تشيلي

الرئيس التشيلي غابرييل بوريك أصدر بياناً اعتبر ديبلوماسياً، أدان فيه ما قامت به “حماس”، لكنه في الوقت نفسه اعتبر الهجمات العشوائية ضد المدنيين التي نفذها الجيش الاسرائيلي في غزة والاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية لعقود انتهاكاً للقانون الدولي، وأن هجمات “حماس” لا تبرر الوحشية التي ترتكبها دولة إسرائيل في غزة.

ودعت خارجية تشيلي الى ضرورة استئناف عملية المفاوضات بين الطرفَين الفلسطيني والاسرائيلي، للوصول إلى اتفاقِ سلام عادل ونهائي.

الا أن سفير إسرائيل في تشيلي أعربَ عن غضبه الشديد بشأن تغريدة خاصّة بوزير خارجيّة تشيلي ذكّر فيها الرأيَ العام بأنَّ “حماس” في موضع الدفاع عن النفس. واستدعى الرئيس بوريك سفير بلاده لدى إسرائيل وذلك لانتهاكاتها للقانون الدولي الانساني في قطاع غزة.

البرازيل

ودان الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا عملية “طوفان الأقصى”، لكنه طالب بفتح ممر انساني لقطاع غزة، وبضرورة الاستئناف الفوري للمفاوضات التي تؤدي إلى حلٍّ للصراع، لضمان وجود دولة فلسطينية قادرة على البقاء اقتصادياً وتتعايش بسلام مع إسرائيل. وكان الموقف البرازيلي ملتزماً ديبلوماسياً إلى أقصى درجة.

الأرجنتين

الرئيس الأرجنتيني اليساري ألبرتو فرنانديز نقل تضامن الشعب والحكومة الأرجنتينيين مع الاسرائيليين. وأسفت الخارجية الأرجنتينية للهجمات المسلحة ضد ما أسمته جنوب إسرائيل، واصفة أعمال حركة “حماس” بـ “الارهابية”.

تجدر الاشارة الى أن الأرجنتين تضم أكبر عدد من اليهود في أميركا اللاتينية، وإحدى أكبر الشتاتات اليهودية في العالم.

وفي الوقت الذي دعمت فيه نسبة كبيرة من دول أميركا اللاتينية الفلسطينيين، ومنهم من كان موقفه وسطياً، عبّر موقف كل من الباراغواي والأوروغواي والاكوادور التي يحكمها اليمين، عن تضامن كبير مع إسرائيل.

بغض النظر عن موقف بعض الدول المحايد، أو تلك التي وقفت الى جانب إسرائيل، الا أن القضية الفلسطينية عموماً، لا تزال أساسية لديها، وموقفها كان أفضل من مواقف كثير من الدول العربية والاسلامية.

وان ندد بعض هذه الدول بما قامت به “حماس”، الا أنه مع الفلسطينيين وحقوقهم، واستعادة أراضيهم، فمعظم دول أميركا اللاتينية تعترف بالأراضي الفلسطينية كدولة ولديها مكاتب ديبلوماسية في رام الله في الضفة الغربية المحتلة.

شارك المقال