حرب غزة تحيي ذكريات اللاجئين المسنين… “بعدنا بالمخيمات ناطرين الرجعة”

منى مروان العمري

تحيي مشاهد الحرب المستعرة في غزة، آلام اللاجئين الفلسطينيين المسنين في مخيمات لبنان، إذ ترجع بهم الذاكرة إلى شريطٍ حافل بالمجازر الدموية، وذكريات فرارهم في حرب الـ1948 من القرى والبلدات التي أصبحت الآن تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي. من مخيم برج البراجنة في ضواحي بيروت، تروي الحاجة أم مصطفى (90 عاماً) لموقع “لبنان الكبير” ذكرياتها في بلدتها دير القاسي التابعة لقضاء عكّا، وأقصى ما تتمناه هو العودة الى أرضها بعد أن أُخرجت منها مع عائلتها: “طلعنا حافيين من بيوتنا وأرضنا، هالمشاهد بغزة بتذكرني بالمجازر اللي صارت فينا، قالولنا اطلعوا وبترجعوا بعد 8 أيام، طلعنا وبعدنا بالمخيمات… ناطرين الرجعة”.

الروح غالية لكن فلسطين أغلى

وعلى وقع المشاهد التي تتابعها أم مصطفى على القنوات الاخبارية، بما فيها الأعمال الوحشية للقوات الاسرائيلية المفضوحة في الاعلام، من قتل وحرق وقصف وتدمير وإبادة وتهجير قسري، تقول: “العالم كله يشهد على ظلم اسرائيل، وعندما ندافع عن حقنا في أرضنا ومقدساتنا نصبح إرهابيين… الله يلعن أبو هالتاريخ شو بدنا نتذكر لنتذكر”! فكل ما تتابعه من أحداث جارية تذكرها بأيام التهجير القسري الذي عاشته في ذلك الوقت، مؤكّدةً أنهم كانوا في أرضهم يحصدون القمح، ين هاجمتهم القوات الاسرائيلية وقامت بالقتل والحرق والتدمير.

وتضيف: “فرّ من فرّ وبقي من بقي. الروح غالية كتير يا بنتي، اللي بياكل العصي مش متل اللي عم يعدّن. نحنا كنا شعب مُسالم أعزل ما عندو سلاح، كنا شعب عايش بأمان واطمئنان بأرضه وبيته حتى دخلوا علينا اليهود وعملوا فينا اللي ما انعمل بحدا، طلعنا من بيوتنا ووصلنا حافيين على عيتا الشعب بجنوب لبنان”. لكنها توضح أنه على الرغم من كل المآسي التي عاشها الشعب الفلسطيني، لكن مشاهد القتل والابادة اليوم لم ترَ لها مثيل، “فالاحتلال قام بتطوير أسلحته ليقضي علينا وعلى نسلنا، اليوم غزة تباد واسرائيل تطلب من الأهالي أن يهربوا إلى سيناء لكن الشعب الفلسطيني في غزة لن يكرر نكبة الـ1948، فلسطين أغلى من أرواحنا، وسيبقى يقاوم كيد الاحتلال حتى لو لم يبقَ لنا أحد”.

نكبة جديدة؟

لا تعد فكرة تهجير أهل غزة وإعادة توطينهم وليدة اليوم، إذ كثر الحديث من الجانب الاسرائيلي عنها من خلال سيناريوهات وصيغ عدة سواء بصورة دائمة أو مؤقتة. وبحسب الأمم المتحدة نزح نحو مليون شخص أو يزيد من عدة مناطق، لا سيما في المناطق الشمالية للقطاع، جراء القصف الوحشي الذي تنتهجه إسرائيل بعد عملية “طوفان الأقصى”.

وغادرت بالفعل آلاف العائلات منازلها تجنباً للقذائف والصواريخ التي تنهال على المدن والبلدات الفلسطينية، بما يشبه عملية تفريغ منهجية للسكان وحشرهم في بقعة جغرافية أضيق داخل غزة نحو الجنوب. وبينما يتصاعد حجم الجرائم المرتكبة في غزة مع ترجيح العملية البرية لاقتحام أراضيها، يحوّل الاحتلال الاسرائيلي القطاع إلى أرض من الجحيم ليس آخرها مجزرة المستشفى المعمداني المرعبة، التي راح ضحيتها مئات القتلى غالبيتهم من النساء والأطفال، ومجزرة مخيم جباليا التي قضت على المئات بعد قصف حي بكامله فوق رؤوس سكانه.

وبحسب العديد من السياسيين الاسرائييلين، وتحديداً الجناح اليميني المتطرّف، فان “هذا الأداء سيجبر الفلسطينيين على الرحيل بمنطق القوة لإنجاز مشروع الترانسفير القديم الجديد، وذلك بتخييرهم بين الموت أو اللجوء”. ويوجّه مشروع “الترانسفير” وتهجير أهل غزة الأنظار نحو سيناء، التي تُعد المنفذ البري الوحيد للفلسطينيين على العالم الخارجي، باعتباره المكان الذي يمكن أن يلجؤوا إليه لتجنّب القصف الاسرائيلي.

واليوم، مع استخدام إسرائيل آلتها العسكرية في ما يشبه حملة تطهير عرقي ضد الفلسطينيين تهدف إلى جعل فكرة “الترانسفير” مستساغة من الدول العربية، وتحديداً مصر، التي أعلن رئيسها عبد الفتاح السيسي رفض فكرة التهجير إلى سيناء، مؤكداً أن ملايين المصريين يرفضونها كذلك، حسم الموقف المصري الرسمي الجدل تلافياً لخطأ تاريخي قد يقود إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر تمرير خطة تفريغ القطاع من سكانه، ليصبحوا لاجئين في مصر حيث يعلم الجميع أن الاحتلال الاسرائيلي لن يسمح بعودتهم إلى أراضيهم في المستقبل.

شارك المقال