“مونديال” البيئة الحاضنة… الأجواء عشية خطاب نصر الله

محمد شمس الدين

ينتظر الشعب اللبناني والكيان الاسرائيلي ودول المنطقة ماذا سيقول الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله عصر اليوم، بعد التزامه الصمت كل هذا الوقت منذ عملية “طوفان الأقصى”، في حين استبق الحزب الخطاب باستهداف ثكنة زبدين في مزارع شبعا المحتلة بمسيرتين انتحاريتين، وهو سلاح يستعمله للمرة الأولى منذ الحرب، بعدما استخدم منذ عدة أيام لأول مرة أيضاً صاروخ أرض جو لاستهداف مسيرة اسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك ضرب الحزب 19 موقعاً اسرائيلياً في الوقت نفسه، بالتزامن مع إطلاق “كتائب القسام” رشقة صواريخ باتجاه مستوطنة كريات شمونة وهجوم يمني على مستوطنة إيلات ومسيرة من الجولان المحتل، ما اعتبره مصدر قريب من الممانعة “نموذجاً مصغراً للحرب المفتوحة” أراد محور المقاومة أن تذوقه اسرائيل عشية خطاب السيد نصر الله.

أضف إلى كل ذلك ما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يرأس بدوره حركة “أمل” ذات الدور والتاريخ المقاوم: “ما تجربونا”. كله يمكن وضعه في إطار الرسائل التي توجه إلى اسرائيل، وتوقع البعض أن تسبق خطاب السيد نصر الله اليوم، برسائل صباحية، إن كان في المواقف السياسية، أو بتصعيدات ميدانية.

وبعيداً عن كل العسكر والسياسة كيف هي أجواء البيئة الحاضنة عشية خطاب نصر الله؟

منذ لحظة الاعلان عنه، لا يمكن أن تجد شخصين في الضاحية الجنوبية إلا ويتحدثان عن خطاب السيد، هذا يقول انه سيصعّد وذاك يقول “سيعلن الحرب”، واَخر يقول انها الحرب العالمية الثالثة، وهذا أمر طبيعي فأهل الضاحية مثلهم مثل بقية الـ 4 ملايين خبير في كل شيء في لبنان. أما عشية الخطاب فالجو كالتحضير لنهائي كأس العالم أو نهائي دوري أبطال أوروبا، المقاهي والمطاعم تستعد لحشود كبيرة، والعديد منها قدم عروضاً لإغراء الرواد، فيما تجد شباناً يتواصلون حول كيفية القيام بمسيرات سيارة وعلى الدراجات النارية قبل الخطاب وبعد انتهائه، يحضرون الأعلام والشعارات، بعض الأعلام أميركية واسرائيلية لحرقها، فيما يتهيأ اَخرون لرسمها على الأرض للدوس عليها.

يعتبر جمهور البيئة الحاضنة أن أي نشاط يقوم به هو تحدٍ للعدو ورسالة للعالم أن للمقاومة شعباً يقف خلفها يدعمها ويسندها، ولذلك هو يتقصد المبالغة في التعبير، إن كان على مواقع التواصل أو أمام كاميرات وسائل الإعلام.

العديد من المدارس في الضاحية والجنوب أرسلت رسائل نصية إلى ذوي التلاميذ تعلمهم أن اليوم هو نصف دوام ينتهي الساعة 12 ظهراً، وهذا الإجراء ليس خوفاً من إعلان حرب، انما تتوقع إداراتها أن تزدحم الطرق في وقت انتهاء الدوام المدرسي بين الساعة 2 و3 بعد الظهر، وهذا من شأنه أن يؤخر وصول التلاميذ إلى منازلهم، بالإضافة إلى رغبة العديد من الأهالي بالمشاركة في التحركات المرتقبة اليوم ونصف الدوام المدرسي يسهل عليهم الأمر.

عندما تسأل أبناء البيئة الحاضنة عن رأيهم بالحرب، الجميع من دون استثناء يتمنون تحرير فلسطين بالكامل، وعلى الرغم من هذا التمني تجد أن لدى البعض هاجس ما بعد الحرب، وكيف أن الوضع الاقتصادي للبنان لا يتحملها، واَخرون يتذكرون الدمار والقتل الذي قامت به اسرائيل في حرب تموز، ويصفون جيشها بالجبان الذي يفشل في مواجهة حركات المقاومة في الميدان فينتقم من شعوبها. ولكن مع كل هواجسهم، يؤكدون، أن الحرب إذا فرضت، فلن يكونوا إلا سيافاً في يد المقاومة، التي “ستنتصر حتماً”.

وبينما يشكل أبناء البيئة الحاضنة غالبية مطلقة في مناطق نفوذ الثنائي الشيعي، إلا أن هناك عدداً صغيراً ممن هم ضد الثنائي، البعض منهم من اليساريين، الذين على الرغم من انتقادهم السياسي للثنائي يؤيدون المقاومة ويستذكرون بطولات “جمول”، وأن العدو حين يحضر تتأجل الخلافات المتعلقة بإدارة الدولة. البعض الاَخر وهو أقلية، ضد الثنائي بكل الأشكال، بل هو أقرب إلى وجهات نظر السياديين، أو مقربون من بعض جمعيات المجتمع المدني، غالبيتهم تفضل الصمت، وقلة تحاول محاورة أبناء البيئة الحاضنة ولكن فعلياً من دون جدوى.

يعرف الكثير من أبناء البيئة الحاضنة كيف يتم تأطيرهم، يسمعون مقابلات لبعض الشخصيات تقول عنهم ثقافة الموت التي يواجهها معارضوهم المؤمنون بثقافة الحياة، يرفضون هذا التأطير ويشددون على ثقافة الحياة وحبها، إلا أنهم مؤمنون بعقيدة “هيهات منا الذلة” التي لا تقبل الحياة إلا بالكرامة، ويعتبرون أن أي تنازل للعدو هو مس بالكرامة ومذلة، وهذا ما لا يمكن أن يتعايشوا معه، ولو لم يكن هناك “حزب الله” وحركة “أمل”، لكانت هناك تنظيمات مقاومة بأسماء أخرى تعيش وفق العقيدة نفسها.

شارك المقال