ماذا سيفعل الأميركيون إذا تخطى “الحزب” قواعد الاشتباك؟

جورج حايك
جورج حايك

توجّهت أنظار الادارة الأميركية أمس إلى كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله. والرسالة وصلت، فـ”حزب الله” لن يجرّ لبنان إلى حرب شاملة بتوصية إيرانية تأخذ في الاعتبار حرصها على إبنها المدلل أي “الحزب” وبرنامجها النووي ونظامها السياسي. وكل ما تبقى من كلمة نصر الله بالنسبة إلى الأميركيين هو للاستهلاك الشعبي وكلام عالي النبرة لإرضاء بيئته التي تطالبه بالوفاء بوعوده السابقة في الاطار المقاوم والممانع.

والمعطيات المتوافرة من مقربين من وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن يرضيها أن يبقى “الحزب” لاعباً احتياطياً في المواجهة بين “حماس” والجيش الاسرائيلي، من دون أن يتضح ما إذا كان سيكتفي أن يكون لاعب وسط دفاعي أو ينتقل إلى مركز قلب الهجوم فيما بعد. وما يطرحه الأميركيون للدرس في كل ما قاله نصر الله يتمحور حول ربط جبهة لبنان بمسار الأمور في غزة وسلوك العدو تجاه لبنان وهما يتحكمان بالجبهة، مؤكداً أن كل الخيارات مطروحة ويمكن أن يذهب اليها في أي وقت من الأوقات.

طبعاً لا تعوّل مصادر الخارجية الأميركية على ما ينطق به نصر الله بالدرجة الأولى، لأن ثمة وسائط ديبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، والأخيرة تعرف حدود اللعبة ولن تتجاوزها، لأنها تُدرك أن العواقب وخيمة، ولن تكون لمصلحتها في النهاية.

تلفت المصادر إلى أن لا رغبة لدى الولايات المتحدة في خلق نزاع مباشر مع إيران، ولا رغبة لايران أيضاً، وهذا ما ظهر في غسل يديها من عملية حماس في 7 تشرين الأول المنصرم، وبالتالي ترصد الولايات المتحدة تكثيف هجمات وكلاء ايران ضد الأفراد والمصالح الأميركية داخل المنطقة وخارجها.

أما “الحزب” فلا يزال ملتزماً بقواعد الاشتباك على الرغم من التصعيد جنوباً، وترى المصادر أنه في حال انزلاقه ودخوله الحرب مباشرة، فحكومة الطوارئ الاسرائيلية جاهزة للتعامل معه بحزم وقوة، وعندها سيدفع الثمن من دمار لبنيته التحتية العسكرية ونكبة على الصعيد اللبناني ككل، وخصوصاً أن الوضع الاقتصادي في لبنان لا يتحمّل حرباً.

لن تقوم القوات الاسرائيلية بأي غزو بري للبنان، وفق المصادر الأميركية، إنما ستكتفي بالقصف الجوي المركّز، وهي متفوقة عسكرياً في هذا المجال. وتشير المصادر إلى أن اسرائيل في حال بدت مقصّرة سيتدخل الأسطول البحري والجوي الأميركي بقوة لمساندتها وسيدفع “حزب الله” وايران الثمن غالياً.

ولا تأخذ المصادر الأميركية بكلام نصر الله عن اعداده العدة اللازمة للأساطيل الأميركية، وتسخر منه معتبرة أن ما يعتقده بارساله مسيّرات لضرب السفينة الأميركية “يو إس إس فورد” وغيرها ليست سوى أحلام وأوهام، لأن الضربات التي سيتلقاها سيكون عاجزاً بعدها عن استخدام صواريخه ومسيّراته.

لكن الكاتب السياسي الأميركي جوليان إ. بارنز يعتبر أن التهديد الأميركي لـ”حزب الله” ليس كافياً لابقائه ضمن قواعد الاشتباك، فتطورات الحرب في غزة سيكون لها دور في تحديد خياراته العسكرية، وهذا متروك للوقت ويشكّل مصدراً للقلق، فلنفترض أن ضربة خاطئة خلال عملية تصعيد لـ”الحزب” جنوباً أدت إلى مقتل عدد كبير من الجنود الاسرائيليين أو ربما المدنيين، فيمكن لاسرائيل الرد بقوة أكبر بكثير، وعندها ستنزلق الأمور نحو حرب كبيرة لا تُحمد عقباها.

وهذا ما دفع جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن إلى القول: “إذا فتحت جبهة الشمال وتصاعد التوتر فيها إلى حد غير مقبول واستهدف الحزب بصواريخه عمق اسرائيل، فلا بد من أن توسّع اسرائيل دائرة قصفها الجوي إلى العمق اللبناني، وبالطبع هناك امكان لتورّط إيران”.

ويلتقي ميك مولروي، وهو مسؤول كبير سابق في البنتاغون مع هذا الاحتمال، قائلاً: “إذا بدا أن حماس سيتم تدميرها، فستكون لدى الحزب ضغوط لا تصدق لفتح الجبهة الشمالية على مصراعيها”. مضيفاً: “كلما زاد عدد الضحايا المدنيين، زاد الغضب من بيئة الممانعة. وهذا سيضع المزيد من الضغوط على حزب الله لتوسيع القتال أو فقدان مصداقيته”.

ولا تدعم وكالات الاستخبارات الأميركية والاسرائيلية هذا التقويم لأن نصر الله كان حذراً في كلمته من إثارة حرب شاملة، فهو يعرف أنه سيورّط إيران وستلحق أضرار كبيرة بحزبه وتضعف قوته. وأنهى خطابه بمعادلة واقعية ومطاطة وخصوصاً أن مفهومه للإنتصار مختلف عن بقيّة البشر، قائلاً: “لنكن واقعيين، لا ننتصر بالضربة القاضية بل بالنقاط!”.

ويأتي كلام مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في جامعة “هارفارد” جوناثان لورد ليكشف القطبة المخفيّة في الموضوع، بأن الولايات المتحدة الأميركية أوصلت رسالة جديّة إلى ايران تحذّرها من عدم انضباط وكلائها وخصوصاً “حزب الله”، وتضمنت الرسالة تهديداً بأن طهران ستتحمل مسؤولية تصرفات “الحزب” والآخرين.

واللافت أن القوة العسكرية التي أرسلتها الادارة الأميركية إلى الشرق الأوسط على خلفية الحرب بين اسرائيل و”حماس” تألفت من حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” وحوالي 7500 بحار، إلى جانب “يو إس إس جيرالد فورد”، إضافة إلى المجموعة البرمائية الجاهزة “يو إس إس باتان”، والتي تتألف من ثلاث سفن تحمل آلاف القوات من الفرقة 26، وحدة الاستطلاع البحرية. كما وضع الرئيس بايدن الآلاف من القوات الأميركية على أهبة الاستعداد للانتقال إلى المنطقة إذا لزم الأمر. والهدف الرسمي المعلن من هذا الأسطول البحري الكبير هو الردع وإفهام إيران و”حزب الله” بأن هناك خطوطاً حمراً لن يُسمح بتجاوزها.

لكن هذه الحشود العسكرية الأميركية سيقتصر دورها على مساندة اسرائيل إذا توسّع الصراع مع “حزب الله”، وستُستخدم القوة الجوية لضرب أهداف داخل لبنان أو تدمير المنصات التي يستخدمها “الحزب” لاطلاق الصواريخ إذا صحّ التعبير، من دون إرسال قوات برية على الأرض، وهذا ما تؤكده مصادر وزارة الدفاع الأميركية.

كل المعطيات الواردة من القنوات الديبلوماسية الأميركية تتقاطع على أن الادارة الأميركية تبذل كل ما في وسعها لإبقاء “حزب الله” خارج الحرب، ولكنها تستعد أيضاً للسيناريو المعاكس. علماً أن بايدن إذا اتخذ قرار المشاركة في الحرب، فسيتعين عليه إخطار الكونغرس في غضون 48 ساعة بموجب قرار سلطات الحرب لعام 1973، وهذا من شأنه أن يمنحه 60 يوماً للتصرف قبل أن تأتي موافقة الكونغرس على استخدام القوة العسكرية.

شارك المقال