بلفور “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”… تشريع للابادة الجماعية

منى مروان العمري

تحلّ ذكرى “وعد بلفور” المشؤوم هذه السنة في ظروف عصيبة يعيشها الشعب الفلسطيني في أرضه، ويسعى دوماً الى استعادة حقّه الذي سلبه منه العدو غصباً. الوعد المعروف لدى مناصري القضية الفلسطينية بوعد “من لا يملك لمن لا يستحق”، هو بيانٌ علنيّ أصدرته الحكومة البريطانيّة خلال الحرب العالمية الأولى لإعلان دعم تأسيس “وطن قوميّ للشعب اليهوديّ” في فلسطين. وجاء على شكل تصريح وجهه وزير خارجية المملكة المتحدة آرثر بلفور، الى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، ويُعد نقطة الانطلاق الرئيسة للقضية الفلسطينية وما تلاها من ثورات وانتفاضات وأعمال نضالية مستمرة حتى اليوم.

وعلى وقع العدوان المستمر في قطاع غزة، دعت الجامعة العربية، في بيان أصدرته بمناسبة الذكرى 106 لاعلان “وعد بلفور”، مجلس الأمن الدولي الى ممارسة اختصاصاته في تحمّل مسؤولياته بتطبيق قواعد القانون الدولي، وطالبته بـ”تحمّل مسؤولياته وتطبيق معايير العدل والانصاف وتجاوز حالة العجز والغياب، والعمل على توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لهجمة إسرائيلية شرسة وغير مسبوقة في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس”، مؤكدةً أن “المسؤولية اليوم تقع على عاتق المجتمع الدولي، وخصوصاً مجلس الأمن باتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة، لحماية الشعب الفلسطيني وإنصافه من تبعات ذلك التصريح المشين ومن هذه الحرب الإجرامية”.

وعد غير مشروع

ويقول الكاتب والاعلامي المتخصص بالشأن الفلسطيني حمزة بيشتاوي، لموقع “لبنان الكبير”: “عندما تصدر الجامعة العربية بياناً تحمّل فيه مجلس الأمن الدولي المسؤولية تجاه القضية الفلسطينية، فهذا ينطلق من تهرّبها من المسؤولية المباشرة المُلقاة على عاتقها، على صعيد الدفاع العربي المشترك والدفاع عن الشعب الفلسطيني لما يتعرّض له اليوم من هجمات عدوانية شرسة”. ويشير الى أن “وعد بلفور جاء خارجاً عن سياق أيّة مواثيق وأعراف دولية، وبالتالي جامعة الدول العربية هي أكثر من يعرف أن هناك سيطرة شبه كاملة من الادارة الأميركية على المؤسسات الدولية وخصوصاً الأمم المتحدة، وهي تطالب بشيئ من جهات ولا تقوم بأيّ شيئ”.

وبحسب بيشتاوي “تعيش اليوم بريطانيا، صاحبة هذا الوعد الصادر يوم 2 تشرين الثاني 1917، وضعاً غير مسبوق بين رأي عام مساند للقضية عُبّر عنه من خلال مسيرات متضامنة مع الفلسطينيين كانت الأكبر في العالم، وبين قرار سياسي يقدّم الدعم المطلق لاسرائيل ويرفض الى الآن حتى الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وما نراه اليوم من دعم للقضية الفلسطينية من خلال المسيرات الكبرى التي جرت في لندن ضد العدوان على غزة يؤكد المسؤولية التاريخية التي كانت ولا تزال تقع على عاتق الحكومات البريطانية إذ إن هذا الوعد غير المشروع لا ترضى به الشعوب التي ترتبط عادةً بالمفاهيم الانسانية والأخلاقية”.

ويؤكد أن “الشعب الفلسطيني سيبقى يقاوم الاحتلال على الرغم من كل ما فعلت به القوات الاسرائيلية عبر هذا الوعد باعتباره وثيقة تشرّع لهم التهجير القسري والابادة الجماعية وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين”.

صراع استعماري

ويعتبر البروفيسور خالد الحروب أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة نورثويسترن “أننا لا نستطيع تجاهل القوى الدولية والامبريالية التي تحالفت ضد الفلسطينيين، والتي يُهمل ولا يقدر مداها في أغلب الأحيان والتي استطاع الفلسطينيون – على الرغم منها – إظهار مرونة وصمود يستحق الإشادة”.

ويلفت الحروب في حديث صحافي إلى أن “الصراع على فلسطين ومنذ البداية هو صراع إستعماري متعدد الأبعاد، إمبريالي، واستيطاني، وديني، ولا تزال هذه السمات الثلاث حاضرة بقوة في قلب هذا الصراع حتى اللحظة الراهنة”.

بينما يربط الأكاديمي البريطاني كريس دويل بين “وعد بلفور” والأحداث الأخيرة في قطاع غزة، قائلاً: “إن الأوضاع الحالية لا يمكن فصلها عن الوعد من الناحية التاريخية”. وعلى الرغم من أنه يلقي باللوم على المجتمع الدولي في عدم حل هذه المشكلة، يؤكّد أن “لندن تتحمل المسؤولية الأولى لأنها كانت لها القدرة على حلّ المشكلة منذ عقود طويلة قبل أن تتعقد أكثر وتصبح ملفاً أميركياً في المقام الأول”.

شارك المقال