السياسة الأردوغانية… شراسة على أرمينيا ووداعة مع اسرائيل

محمد شمس الدين

لطالما كانت القضية الفلسطينية جاذبة للمركمجين على حسابها، وقد يكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “الزعيم” غير الرسمي لـ “الإخوان المسلمين” في العالم هو أكبر أولئك المركمجين، اذ انه لطالما رفع لواءها على الرغم من أنه يقيم علاقات وطيدة مع اسرائيل.

ومنذ بدء العدوان الاسرائيلي الاجرامي على غزة، أطلق أردوغان سلسلة مواقف عالية النبرة، ودعا إلى مظاهرة ضخمة تقدمها بنفسه، ما دفع أحد النواب المعارضين في البرلمان التركي إلى انتقاده، متسائلاً كيف أن أردوغان رئيس ويخرج في مظاهرة لنصرة فلسطين؟ مطالباً إياه بتسليم الحكم ليظهر له كيف تكون النصرة فعلياً.

وتحدث الرئيس التركي يوم السبت عن الحرب الاسرائيلية على غزة، ونقلت عنه وسائل الاعلام قوله ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو شخص لا يمكن التحدث معه. وأكد أن تركيا لم تقطع علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل بصورة كاملة، مشيراً إلى أن “قطع العلاقات بصورة كاملة ليس ممكناً، خصوصاً في الديبلوماسية الدولية”.

وأوضح أن رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركية إبراهيم كالين يقود الجهود التركية في محاولة للتوسط لإنهاء الحرب. وقال: “إبراهيم كالين يتحدث مع الجانب الاسرائيلي. وبالطبع، فهو يتفاوض أيضاً مع الفلسطينيين وحماس”. لكنه رأى أن نتنياهو يتحمل المسؤولية الأساسية عن أعمال العنف وقد “فقد دعم مواطنيه”، معتبراً أن “ما يتوجب عليه فعله هو التراجع خطوة إلى الوراء ووقف ذلك”.

وهذا موقف مضحك للرئيس التركي، الذي يمتلك أحد أقوى الجيوش في المنطقة، بل إن دولته يمكنها التضييق اقتصادياً بصورة كبيرة على الدولة العبرية، إلا أنه على عكس الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، أطلق استراتيجية “أخاصمك آه أسيبك لا” بعد رفضه حتى قطع العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل، علماً أن دولاً بعيدة نسبياً عن الصراع، وليست مسلمة أو عربية حتى، أعلنت قطع العلاقة معها، على خلفية المجازر التي ترتكبها في غزة، وبهذا يكون أردوغان ركمج على القضية الفلسطينية عبر حركات استعراضية، لا تصرف فعلياً في السياسة الدولية، ولا معنى لها في أرض الميدان.

وبعيداً عن الآراء والمواقف إذا كان محقاً في بعض خطواته خلال السنوات الماضية أم لا، ففي الحرب السورية أعلن أردوغان أنه يجب اقتلاع الرئيس السوري بشار الأسد ودعم عدة فصائل تقاتل النظام السوري.

وفي الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، انضم الجيش التركي مباشرة لتقديم الدعم الى الأخيرة.

وفي حرب روسيا وأوكرانيا، قدم أردوغان مسيرات “بيرقدار” لمساعدة الأوكران ضد الجيش الروسي.

كل ذلك من دون الأخذ في الحسبان تعامله مع الأكراد بصورة عسكرية حازمة.

أما لفلسطين القضية التي حمل لواءها ونصّب نفسه زعيماً لـ “الاخوان المسلمين” على خلفيتها، كون “حماس” تنتهج عقيدتهم، فجل ما قام به هو مظاهرة، يمكن لأي ناشط أن يقوم بمثلها، ولم يرسل حتى مساعدات للمدنيين الفلسطينيين، ولم يزود “حماس” بمسيرة “بيرقدار” واحدة، ولم يدعُ الى اجتماع لمنظمة الدول التركية، المؤلفة من 6 دول، ليشكل أي ضغط حقيقي على اسرائيل.

من الواضح أن مزايدات أردوغان هي للتهجم على العرب، من دون تقديم أي مساعدة حقيقية للفلسطينيين، خطابات تحوز على تصفيق الجمهور، من دون التأثير على محاولة ترميم علاقته بالدولة العبرية، وإبقاء العلاقات قائمة، لاسيما التعاملات التجارية.

وحتى عندما صعّد أردوغان نبرته في السابق بعد أن كثرت المجازر في غزة، استحضر مصطلحات لا علاقة لها بالصراع، بحيث حذر من جعل الحرب بين الهلال والصليب، وهو أمر لا دخل له بالحرب القائمة، بل انه يضر فعلياً القضية الفلسطينية عبر تحويلها الى شأن مسلم فقط، لا قضية محقة، ويتسبب بغباش على القضية الانسانية في غزة، إثر الدموية الاسرائيلية.

شارك المقال