قراءة في خطاب نصر الله (٢)… الجبهة اللبنانية جبهة مساندة

زياد سامي عيتاني

بات واضحاً أن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله منذ حرب السابع من تشرين الأول يعتمد نهجاً وأسلوباً جديدين في التعاطي مع العدو الصهيوني، هما “إستراتيجية الغموض”، ليزيد من التخبط والارباك المخيم على مختلف الأجهزة السياسية والعسكرية الاسرائيلية. إلا أن إطلالته الخطابية يوم الجمعة الماضي، لم تغيّر من “سلاح الغموض” على الرغم من مقاربته للحرب على غزة وتوتر جبهة الجنوب اللبناني بصورة متصاعدة، بل إن مواقفه التي أطلقها يمكن وصفها بأنها “حمالة أوجه”، تاركاً مساحة واسعة من النقاش والاجتهاد التحليلي، من دون إمكان التوصل إلى إستنتاج حاسم.

من خلال قراءة متأنية للخطاب يستنتج بصورة واضحة أن نصر الله لا يريد توسيع نطاق الاشتباك في الجبهة مع إسرائيل، على الأقل في المرحلة الحالية، وذلك لأسباب تتصل بإيران وحساباتها، أو بحسابات أخرى تعمل على إشغال إسرائيل من دون الدخول في حرب واسعة. لذلك، لم يذهب إلى إعلان الحرب على إسرائيل وتوسيع نطاق العمليات المحدودة بينها وبين لبنان. وقد بدا أن نصر الله يرسم حدود دور حزبه في الحرب، انطلاقاً من هدفين رئيسين هما: وقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وعدم السماح لاسرائيل بالقضاء على حركة “حماس” والمقاومة الفلسطينية تحت أي ظرف، مقابل تحريك المعركة على الجبهة اللبنانية، استناداً إلى محددين: تطورات الحرب في قطاع غزة، وسلوك قوات الاحتلال تجاه لبنان.

وأكد نصر الله أن “المقاومة في لبنان تقوم بمعركة حقيقية منذ 8 أكتوبر الماضي، مختلفة عن كل المعارك التي خاضتها في لبنان سواء في 2000 أو 2006”. وشدد على أن الجبهة اللبنانية خففت جزءاً كبيراً من القوات الاسرائيلية التي كانت ستسخر للهجوم على غزة، إذ ان ثلث قوات إسرائيل البرية موجود عند الحدود اللبنانية ونصف القوات البحرية وربع القوات الجوية وما يقارب نصف الدفاع الصاروخي والقريب من الثلث من القوات اللوجيستية موجه باتجاه جبهة لبنان. وربط تصعيد الأمور وتطورها في الجبهة الشمالية بمسار الأحداث وتطورها في غزة، وسلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان، محذراً من بعض التمادي الذي طال بعض المدنيين، مع التأكيد أن ذلك “سيعيدنا إلى قاعدة المدني مقابل المدني”. وشدد على أن ما يجري في الجبهة اللبنانية لن يتم الاكتفاء به، مؤكداً الجاهزية والعدّة لمواجهة الأساطيل الأميركية، والتلميح الى أن تصعيد إسرائيل مع “حزب الله” سيؤدي الى حرب إقليمية. وتوجه بحديثه إلى واشنطن قائلاً: “من يريد منع حرب إقليمية يجب أن يسارع الى وقف العدوان على غزة”. وأوضح أن “التصعيد على الجبهة اللبنانية مغامرة ضمن الحسابات الصحيحة”. وعلق على التحذيرات الأميركية من تدخله في الصراع بالقول: “وصلتنا رسائل بأن أميركا ستقصف إيران إذا واصلنا عملياتنا في الجنوب، وأقول لهم إن هذه التهديدات لن تخيفنا ونقول لكم إن أساطيلكم التي تهددوننا بها نحن مستعدون لها”.

وقد حرص نصر الله على توجيه عدة رسائل في إتجاهات مختلفة:

– رسالة موجهة إلى بيئة المقاومة وجمهورها لتشجيعهما وتقوية إرادتهما، وذلك عندما تحدث عن الشهادة وأهميتها.

– رسالة موجهة إلى القوى غير اللبنانية، مشدداً على أن لا “حزب الله” ولا فصائل المقاومة ولا حتى إيران كانت على علم بمعركة “طوفان الأقصى” لا تنفيذاً ولا تخطيطاً ولا مشاركة.

– رسالة إن الجبهة اللبنانية تواصل لعب دورها كجبهة مساعدة ومساندة لغزة.

خلاصة الخطاب أن السيد حسن نصر الله وضع عنواناً عريضاً لمعادلة جديدة بعد حرب السابع من تشرين الأول عن عدم السماح بالقضاء على “حماس” كفصيل مقاوم يدور في فلك محور الممانعة، وبالتالي وقف إطلاق النار، لتجنيب المنطقة حرباً إقليمياً، مع التأكيد أن كل الخيارات مفتوحة، وكل الاحتمالات مطروحة.

شارك المقال