رهان دولي على السلطة الفلسطينيّة… فما هو الدور الجديد؟

جورج حايك
جورج حايك

منذ بداية المواجهات الفلسطينية – الاسرائيلية في 7 تشرين الأول الفائت، التقى وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن مرتين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهذا ليس مجرد تفصيل بسيط، بل محاولة أميركية لوضع السلطة في الواجهة تمهيداً لدور مستقبلي يعقب الأعمال الحربية التي تحصل في قطاع غزة بين اسرائيل وحركة “حماس”.

لا شك في أن الولايات المتحدة الأميركية متمثلة في زيارة بلينكن الأولى، أرادت زرع الشقاق بين منظمة التحرير الفلسطينية و”حماس” عبر الضغط على الرئيس عباس لانتزاع موقف منه يدين هجوم “حماس” على غلاف غزة في 7 تشرين الأول، لكنه رفض معتبراً أن ممارسات المستعمرين وقوات الاحتلال الاسرائيلي هي السبب في ما يحصل.

وتلفت مصادر فلسطينية لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “الاحتلال الاسرائيلي وحده يتحمّل مسؤولية عمليات القتل والمجازر في غزة، وهو يرتكب عمليات إبادة بحق شعبنا هناك، وهذا الكيان يمارس منذ 75 عاماً كل أشكال القتل، وكل أشكال الارهاب. هذا السلوك الاسرائيلي لم يتغيّر لأن هناك دولاً عظمى ترعى عمليات القتل، انها العقلية الصهيونية التي ترفض وجود الشعب الفلسطيني على هذه الأرض”.

وقد يستغرب البعض موقف السلطة الفلسطينية المتعالي على جراح استفراد “حماس” بقرارات السلم والحرب، وكل الخلافات السابقة معها، وتوضح المصادر الفلسطينية أن “كل الاشكاليات والانقسامات تنتهي بقرار فلسطيني موحّد في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي لأن ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني لا يستهدف فصيلاً أو تنظيماً أو فئة من شعبنا، إنما يستهدف كل فلسطيني الذي يتعرّض في كل الأوقات لمذبحة ومحرقة… نحن مؤمنون بأن علينا أن نكون موحّدين في هذه المواجهة ضد العدوان الاسرائيلي، وهذا من أساسيات العمل الوطني الفلسطيني”.

من الواضح أن الخلاف مع “حماس” لم يعد في هذا الوقت من أولويات السلطة الفلسطينيّة التي تبدي موقفاً حاداً وحازماً حيال العدوان الاسرائيلي على غزة، وخصوصاً أن هناك مخاطر الابادة والتهجير، وتؤكد المصادر الفلسطينية أن “من أدبياتنا الوطنية في المعارك مع العدو الاسرائيلي أن نضع خلافاتنا وتناقضاتنا الوطنية جانباً، لأن الدم الفلسطيني هو أغلى ما نملك، والخلافات اليوم ليست أولوية إنما الاسرائيلي لا يفرّق بين غزة والضفة الغربية والقدس”.

لذلك فشلت كل المحاولات الأميركية في الفصل بين القوى السياسية الفلسطينية خلال هذه المواجهة الضارية، بل بالعكس أصدر الرئيس عباس بياناً أكد فيه حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال الاسرائيلي.

الزيارة الأولى لبلينكن تمت على نار حامية، وواجهت فيها السلطة الفلسطينية كل الضغوط، وقد نجحت في ذلك، مفوّتة على الأميركيين والاسرائيليين الفرصة لشرذمة الموقف، على الرغم من أن الادارة الأميركية لا تزال حتى اليوم تميّز بين حركة “حماس” والسلطة الفلسطينية، وقد وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الحركة بـ”الشر المطلق”، مشيراً إلى أنها “لا تدافع عن حق الشعب الفلسطيني في الكرامة وتقرير المصير، فهدفها المعلن هو إبادة دولة إسرائيل وقتل الشعب اليهودي”. بل ذهب أكثر من ذلك، عندما شبّهها بتنظيم “داعش”، معتبراً انها جزء من الارهاب الدولي.

أما في زيارة الوزير بلينكن الثانية للرئيس عباس فكانت لها آفاق أخرى بل طرح آخر، إلا أن أولويات عباس كانت شيئاً وأولويات بلينكن شيئاً آخر، فعباس شدد على وقف فوري لاطلاق النار وإدخال المساعدات الانسانية إلى قطاع غزة، فيما طلب بلينكن من عباس المساعدة في إدارة مستقبلية لقطاع غزة والعمل على حل الدولتين. وتقول المصادر الفلسطينية: “نحن نريد موقفاً دولياً حاسماً وحازماً وجاداً في هذه اللحظة المصيريّة لإنهاء العدوان الاسرائيلي قبل أي شيئ آخر، أي قبل التحدّث في سيناريوهات قادمة، وعلى المجتمع الدولي والادارة الأميركية أن يلجما هذا الإحتلال، لأنهما في كل لحظة يتأخران عن ذلك، يسقط مئات الشهداء، هذا هو الأمر العاجل حالياً، أي وقف العدوان على شعبنا، وبالتالي لا فائدة لأي حوار أو تسوية سياسية الآن”.

لكن منذ وقت غير بعيد، كان لعباس موقف متقدم أعرب فيه بالفم الملآن عن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للفلسطينيين وليس أي تنظيم آخر، وهذا ما تؤكده المصادر الفلسطينية، معتبرة أن “المنظمة هي الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني، وتتحمّل كل المسؤوليات حيال هذا الشعب في كل ألأراضي الفلسطينية المحتلة وفي الشتات”.

وتضيف: “من يريد أن يكون هناك قرار دولي لحل القضية الفلسطينية عليه أن يكون جدياً، وأن يلتزم بالقرارات الدولية المتخذة في هذا الشأن، فهناك مبادرة السلام العربية، وهناك عشرات القرارات الدولية التي لم تطبّق. فإذا كانت الادارة الأميركية جادة في حل القضية الفلسطينيّة، فلتذهب مباشرة إلى سلطة الاحتلال الاسرائيلي وتفرض عليها الالتزام بهذه القرارات. وإذا كانت هناك صحوة لدى المجتمع الدولي، فعليه أن يكون عادلاً في إحقاق الحق الفلسطيني من خلال معالجة جذور المشكلة وهي انهاء الاحتلال لأرضنا وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة غير منقوصة، بإقامة دولة فلسطينية موحّدة تشمل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، ولا نقبل بأي فصل بينها، وكل هذا يأتي في إطار حل سياسي شامل ينهي الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية”.

من الواضح أن الأميركيين يريدون السلطة الفلسطينية الجهة الوحيدة والرسمية للتفاوض مستقبلاً حول مصير الدولة الفلسطينية، وهذا ما لا تستغربه المصادر الفلسطينية، مؤكدة أن “العالم كلّه إعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني عام 2012، بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة معلنة أن فلسطين دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، وهذا إنجاز تاريخي حققه الشعب الفلسطيني، ونتيجة تضحيات آلاف الشهداء والأسرى بعد أعوام طويلة، فاستطاع شعبنا أن يقول نحن هنا على الخريطة الدولية، ولن يستطيع أحد أن يحوّل الشعب الفلسطيني إلى شعب منسي”.

وبعد كل هذه التضحيات، وكل الدماء التي أريقت في غزة وغيرها، تشدد المصادر الفلسطينية على أن “الحل السياسي من خلال رؤية منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية مبني على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وخصوصاً القرار 242، أي انسحاب اسرائيل بالكامل من الأراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1976، والقدس عاصمة الدولة الفلسطينية”، وهذا ما يعرفه بيلنكن جيداً.

وعلى الرغم من أن ايران تلاعبت بالملف الفلسطيني وغالباً ما تاجرت به وحرّضت الفصائل الفلسطينية مثل “حماس” و”الجهاد الاسلامي” على السلطة الفلسطينية، ترى المصادر أن “المسؤول الأول والأخير عن إضعاف السلطة الفلسطينية هي اسرائيل التي عملت في كل الأعوام الماضية على تقويض عملها في الداخل الفلسطيني وحاربتها وأوقفت عنها الأموال المستحقة لها، وقامت بين العامين 2000 و2004 بضرب مؤسساتها الأمنية وقصف مقراتها وحاصرت رئيسها، وتوغلت في دم شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة”.

شارك المقال