اسرائيل تبحث عن إنتصار قد لا يتحقّق… إنها مسألة حياة أو موت!

جورج حايك
جورج حايك

يعيش العالم حمى حرب غزة بين اسرائيل وحركة “حماس”، وحتماً الحرب ليست فيلماً هوليودياً إنما هي دماء ودمار وخسائر بشرية هائلة، ومن البديهي أن الجانبين يسابقان الوقت لتحقيق إنتصار واضح تكون له تداعيات استراتيجية على صعيد منطقة الشرق الأوسط.

مضت أيام على بدء الهجوم الاسرائيلي البري على قطاع غزة حيث تتحصّن “حماس” داخل شبكة معقّدة من الأنفاق، إلا أن النتائج حتى اليوم لا تُنذر بحسم قريب، إنما المعركة طويلة جداً، ونهايتها ليست معروفة حتى اليوم.

المشهد الموضوعي أن الجيش الاسرائيلي يضرب حصاراً محكماً على غزة من كل جهاتها، ويرى الكاتب والباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي أن “من المبكر التحدث عن إنتصار لاسرائيل، فالجيش بالكاد استطاع الوصول إلى مداخل المدينة، ولم يتمكن من الدخول إلى بلدات أساسية مثل بيت حانون وبيت لاهيا وحيّ الزيتون… لذلك لا يمكن الكلام عن إنتصار”.

تحاول اسرائيل التعويض بالقصف المدمّر، وهذا ما يبدو أنه سلاح ذو حدين، فهي تصيب المدنيين بصرف النظر عن إحتماء مقاتلي “حماس” بهم من جهة، وتضرب كل المباني العالية التي يمكن أن يستخدمها المقاتلون لاستهداف قواتها البرية من جهة أخرى. ويوضح قهوجي أن “الاسرائيليين لم يقدّموا لنا شيئاً يثبت تقدّمهم سوى بعض المشاهد لمداخل الأنفاق، وراجمات الصواريخ المدمّرة، إلا أن إنجازاتهم من الناحية التكتيكية تبقى قليلة جداً، وفي الواقع، تبدو حماس مهيأة أكثر ومستعدة للقتال على نحو ناجح حتى الآن، وربما يتهيّب الجيش الاسرائيلي إكمال الهجوم بسرعة لاقتناعه بأن التقدّم التكتيكي سيكون مكلفاً، لذلك يعتمد على عمليات القصف الشديدة وتدمير المجمعات والمباني على طريقة الأرض المحروقة، وإختراقه مناطق جديدة لن يكون من دون خسائر كبيرة في صفوفه، لذلك يتطلب الأمر وقتاً كبيراً، ولا بد من طرح علامات استفهام إذا كان الهجوم سيستمر”.

في المقابل، يعتبر قهوجي أن “حماس” مرتاحة أكثر، “بدليل أنها لا تزال تقصف المناطق الاسرائيلية بالصواريخ، والجيش الاسرائيلي عاجز عن منعها، إضافة إلى أنها تشن عمليات على الأرض وتقوم بمناورات ناجحة، وتلتف على بعض القوات الاسرائيلية وتباغتها بكمائن، وتستخدم الأنفاق بطريقة ذكيّة، ما أجبر اسرائيل على أن تتبع خطوات تكتيكية بطيئة”.

من جهة أخرى، هناك ضغوط دولية كبيرة للتوصّل إلى وقف اطلاق النار أو هدنة إنسانية على الأقل، وثمة معطيات لاحت في الأفق حول مرونة اسرائيلية في التعاطي مع هذا الموضوع، لكن مصادر ديبلوماسية أشارت إلى أن قبول اسرائيل بوقف اطلاق النار لن يكون بسبب دوافع إنسانية، إنما لمراجعة عسكرية تكتيكية على الأرض، وربما للقيام بحسابات الربح والخسارة حتى الآن، إلا أن هناك مخاوف لدى الحكومة الاسرائيلية من هذه الهدنة لأن من شأنها أن تجعل “حماس” تلتقط أنفاسها وتعيد ترتيب شؤونها. لذلك، تبدو اسرائيل متوجّسة من وقف إطلاق النار! مع ذلك، لن تستطيع الاستمرار في رفض ذلك، لأن المزاج الدولي يتغير بشكل لا لبس فيه.

واللافت أن عامل الوقت مهم لحركة “حماس” واسرائيل معاً، وهذا ما يؤكدّه قهوجي: “فالأولى تعاني من حصار، وكلّما طال الوقت سيصبح الأمر صعباً عليها داخلياً، من كل النواحي غذائياً وصحياً وربما نقص في الوقود. والثانية لا تعرف كم سيستمر الدعم الغربي والداخلي لها، وحتماً الدعم الأميركي أساس لكبح جبهة الشمال وإيران، وكل هذا ليس من دون ثمن وليس مفتوحاً على صعيد الوقت، وثمة تسريبات من واشنطن بأن المهلة القصوى المعطاة لاسرائيل لن تتجاوز شهر كانون الأول. في النهاية سيكون التحدي من سيصرخ أولاً؟”.

ولا شك في أن “حماس” تستغل اعلامياً عنوان “إبادة” اسرائيل للمدنيين الفلسطينيين في غزة، فيما الحكومة الاسرائيلية تخسر في هذا المجال، ولم يعد المجتمع الدولي مقتنعاً بذريعتها التي تتمحور حول أن “حماس” تحتمي بالمدنيين كدروع بشرية، وما يراه أن اسرائيل ترتكب المجازر من خلال قصف المستشفيات والكنائس والتجمعات المدنية، وخصوصاً أن “حماس” مدعومة من الفضائيات العربية المنحازة إليها حكماً. علماً أن الشعب الفلسطيني الذي يُهرق دمه بالقنابل الاسرائيلية لا يمكنه أن يصدق أن إسرائيل تقاتل من أجل تحريره من طغيان حماس، وكان عليها أن تفرّق بين المدنيين وقتل قادة “حماس” ونشطائها.

ونسأل قهوجي: إذا استمر سقوط خسائر بشرية من الجيش الاسرائيلي، فهل تسعى الحكومة الاسرائيلية إلى قرار دولي مثل القرار 1701 الذي يخص لبنان، يقضي بإنسحاب “حماس” إلى منطقة معينة من غزة تضمن عدم رميها صواريخ نحو المستوطنات؟ يجيب: “لا أرى هذا ممكناً حالياً، بالتأكيد هناك أفكار عديدة، إلا أن الاسرائيلي لن يقبل بقرار مثل الـ 1701 في غزة، بل هو يُطالب بدور أمني له داخل غزة، وبالتالي لا يزال باكراً الكلام عن قرارات دولية، وعلينا أن نرى أي حكومة اسرائيلية ستتولى التفاوض في هذا المجال”.

في المحصلة، تبدو الحرب مسألة حياة أو موت للطرفين، ويختم قهوجي: “بالنسبة الى عناصر حماس ليس هناك مكان يذهبون إليه، العدو أمامهم والبحر وراءهم، والمعادلة الوحيدة المفروضة عليهم القتال أو الاستسلام والموت. أما اسرائيل فقد ضُرِيَت هيبة الردع عندها، ولا يمكنها أن تتعايش مع فكرة أنها لا تملك قوة عسكرية ذاتية كافية لتحمي نفسها، لذلك لا مفر لدى الجيش الاسرائيلي من حسم المعركة ليثبت أنه قادر على هزيمة حماس، لتكون عبرة للآخرين، وهذا ما يجعل من المعركة مسألة حياة أو موت لكليهما”.

شارك المقال