مظاهرات واشنطن دعماً لغزة… هل تردع بايدن؟

عبدالرحمن قنديل

شارك آلاف الأميركيين في مظاهرة حاشدة في واشنطن للمطالبة بوقف الحرب الاسرائيلية على غزة، منددين بالسياسات الداعمة لاسرائيل وبدور الرئيس الأميركي جو بايدن الذي وصفه متظاهرون بأنه “شريك في الابادة”. وأطلق نشطاء على الاحتجاج اسم “مسيرة وطنية إلى واشنطن.. فلسطين حرة”، ونظموا تسيير حافلات إلى العاصمة الأميركية من جميع أنحاء البلاد لتجمع المحتجين، حسبما قال تحالف “آنسر” المناهض للحروب والعنصرية.

وسار المتظاهرون الذين أتوا من 44 ولاية أميركية في شوارع واشنطن ملوحين بالأعلام الفلسطينية، ورددوا هتافات من بينها “بايدن، بايدن لا يمكنك الاختباء، لقد اشتركت في الابادة”، ثم تجمعوا عند ساحة الحرية على بعد خطوات من البيت الأبيض، وألقيت كلمات خلال المظاهرة، ندد فيها المتحدثون بدعم الرئيس الأميركي لاسرائيل، قائلين: “يداك ملطختان بالدماء”.

وحمل المتظاهرون لافتات عليها شعارات مثل: “حياة الفلسطينيين مهمة”، و”دعوا غزة تعيش” و”دماؤهم على أيديكم”، في وقت تواصل الحكومة الأميركية رفض مطالب لضم صوتها إلى الدعوات لوقف شامل لاطلاق النار. وتعهد بعضهم بألا يؤيد مساعي بايدن للفوز بفترة رئاسية ثانية العام المقبل، ولا حملات ديموقراطيين آخرين، واصفين إياهم بالليبراليين “ذوي الوجهين”. وتعد هذه المظاهرة الأكبر في العاصمة الأميركية منذ بدء الحرب على غزة، ومن بين أكبر التجمعات لأي قضية في واشنطن في السنوات القليلة الماضية، بحيث أكد المنظمون أن هذه أكبر مظاهرة مؤيدة للشعب الفلسطيني في تاريخ الولايات المتحدة وشارك فيها ما لا يقل عن 300 ألف شخص.

وخرجت مظاهرات أخرى في أنحاء الولايات المتحدة، السبت الماضي، للمطالبة بوقف الحرب الاسرائيلية على غزة، ولا سيما في نيويورك وسان فرانسيسكو، ولكن لا تزال أميركا حتى الآن ماضية في توجهها الداعم لإسرائيل حتى النفس الأخير من دون إكتراث، أو أخذ هذه المظاهرات المناهضة في الاعتبار والحسبان.

ليست المرة الأولى التي تحدث مظاهرات في أميركا ضد الدولة إن كان لأسباب التصادم في السياسة أو غيرها وهذا ما كان يحدث تاريخياً، ولكن هل كانت هذه الإدارة وفقاً لنظامها الديموقراطي تأخذ رأي الشعوب في سياستها المعتمدة؟ وهل كان رأي المواطن الأميركي من ضمن أولوية سياستها المتبعة؟

حرب فيتنام هي صراع طويل ومكلف ومدمر اندلع بين الحكومة الشيوعية لفيتنام الشمالية، وبين فيتنام الجنوبية وحليفها الرئيس: الولايات المتحدة. تصاعد الصراع في أعقاب الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ونجم عنه أكثر من 3 ملايين قتيل، من بينهم 58 ألف أميركي، بينما كان عدد المدنيين الفيتناميين أكثر من النصف، وبين عامي 1966 و1973، انشق أكثر من 503 آلاف عسكري أميركي.

كان لتلك الحرب عواقب عالمية أيضاً، فانقسم الشارع الأميركي بين مؤيد ومعارض لها، ونشأ العديد من الجماعات المناهضة لدخول القوات الأميركية في حرب فيتنام، بحيث تشكلت منظمة يسارية تدعى “طلاب من أجل مجتمع ديموقراطي” عام 1960 كان هدفها الأساس هو مواجهة الحرب، لكنّ المعارضة الحقيقية بدأت عام 1966 وما بعده وتجلى جانب منها برفض الكثير تأديتهم الخدمة العسكرية في فيتنام.

بحلول العام 1967 ازداد عدد الأصوات المعارضة لهذه الحرب وخصوصاً في أوساط الطلاب والمثقفين والأكاديميين وحتى رجال الدين كون هذه الحرب غير أخلاقيةٍ، بالاشارة إلى عدد الضحايا المدنيين في كل من الشمال والجنوب، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات عنيفة في الولايات المتحدة، وتجمّع نحو 35 ألف شخصٍ أمام البنتاغون الأميركي في مظاهرةٍ لرفض الحرب على فيتنام. وادعى معارضو الحرب أن المدنيين هم الضحايا الرئيسيون وليس القوات الفيتنامية الشمالية، وأن الولايات المتحدة تدعم ديكتاتورية فاسدة في سايغون. وفي العام 1969، وقعت أضخم مظاهرة معادية للحرب في تاريخ الولايات المتحدة، وكانت في العاصمة واشنطن، حيث تجمع حينها نحو 250 ألف أميركي بصورة سلمية ودعوا إلى سحب القوات الأميركية من فيتنام، واستمرت هذه المعارضة مع مضي الرئيس الأميركي وقتها ريتشارد نيكسون بالحرب حتى الهزيمة من دون إكتراث بالأصوات المعارضة.

بعد هجمات 11 أيلول 2001، بدأت الولايات المتحدة تعد لحربها الانتقامية تحت شعار الحرب على الارهاب، فدخلت أواخر ذلك العام، وبمشاركة التحالف الدولي، في حرب على أفغانستان ضد حكم حركة “طالبان” وتنظيم “القاعدة”، ولم تهدأ تلك الحرب، حتى بدأ الرئيس الأميركي جورج بوش بالحشد لحرب أخرى في العراق.

نظمت الجماعات المناهضة للحرب في جميع أنحاء العالم احتجاجاتٍ عامة. وفقاً للأكاديمي الفرنسي دومينيك ريني، بين كانون الثاني ونيسان من العام 2003، شارك 36 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في ما يقرب من 3000 احتجاج مناهض للحرب، كانت مظاهرات 15 شباط 2003 هي الأكبر والأكثر حضوراً، وعلى الرغم من ذلك حصل غزو العراق في آذار من العام نفسه.

لطالما تُتخذ الولايات المتحدة كنموذج للديموقراطية والحرية والدعوة إلى الإقتداء بديموقراطيتها وبأن تكون آراء الشعوب من ضمن أولويات أي دولة لناحية الرأي العام ومواقفه تجاه الدولة وسياساتها، مع أن القرارات الأميركية في محطات كثيرة لطالما كانت غالبيتها تتصادم مع رغبة الشعوب تاريخيّاً وتنفذ من دون أي عوائق.

على الرغم من المظاهرات الواسعة والمنددة بما يحصل في غزة، هل ستبقى الولايات المتحدة وحلفاؤها على موقفهم في دعم العدوان على غزة من أجل بقاء إسرائيل لأن ذلك أهم من هذه الأصوات المتضامنة، أم ستكون فعلاً آراء الشعب الأميركي المتضامن مع غزة ممراً يسهم في تغيير صناعة القرار؟

شارك المقال