قراءة في خطاب نصر الله (٤)… هل انتقل من الغموض إلى خداع إسرائيل؟

زياد سامي عيتاني

المضمون الغامض لخطاب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله بالنسبة الى إسرائيل، والذي خلافاً للتوقعات وللمخاوف، لم يكن مخصصاً لاعلان ساعة الصفر لفتح الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية على نطاق واسع، من خارج قواعد الاشتباك، لم يكن كافياً للشعور بالتفاؤل من إنتقال الحرب الواسعة على تلك الجبهة. وإذا كان المواطن الاسرائيلي العادي قد فهم الخطاب على أنه ضعيف ومهادن، وأن “حزب الله” مردوع ونصر الله لديه همومه وموانعه من شن حرب شاملة على اسرائيل، فإن صنّاع القرار والمسؤولين الأمنيين لدى الكيان الصهيوني، تلقفوا مضمون الخطاب بكثير من الحذر الشديد، لا سيما وأنه يحمل في طياته رسائل تهديد مبطنة إلى اسرائيل، من دون إعطاء الضوء الأخضر لشن حرب شاملة.

وحذرت التحليلات الاسرائيلية من الرهان على ما أعلنه نصر الله بأنه لم يكن هناك تنسيق بين الحزب و”حماس” بشأن عملية “طوفان الأقصى”، وبالتالي الاعتقاد بعدم فتح جبهة واسعة من لبنان، مذكرة بأن السابع من تشرين الأول لقّن إسرائيل درساً مؤلماً، عندما قلّل من نيات “حماس”، واستبعاد سيناريو هجوم مفاجئ من غزة. لذلك، لم تستبعد التحليلات احتمال اعتماد “حزب الله” عنصر المفاجأة، وتوجيه ضربة الى العمق الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، يرى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عاموس يادلين أن نصر الله “يراوغ ويعتمد نهج التضليل والضبابية” بشأن موقف “حزب الله” وإيران، مما حدث في السابع من تشرين الماضي، وبشأن سير المعركة وتطورات الحرب على الجبهة مع لبنان. وأوضح يادلين أن الغموض في خطاب نصر الله أبقى على جميع الاحتمالات مفتوحة، كما أبقى التوتر على الجبهة مع لبنان، مشيراً إلى أن “حزب الله” يتجنب المخاطرة بحرب شاملة، وأن الردع الإسرائيلي قوي جداً، لكن حسن نصر الله لم يتردد في تهديد إسرائيل، وقصف عمق المدن الاسرائيلية، وتوجيه ضربة استباقية.

ونبّه اللواء احتياط في جيش الاحتلال الاسرائيلي، يسرائيل زيف على أن خطاب نصر الله حمل رسالة مفادها أن “حزب الله” سيبقي على التصعيد والتوتر باستخدام “فتيل هادئ” يتحكم به، والأهم سيستمر في استنزاف إسرائيل مع الابقاء على عنصر المفاجأة، الأمر الذي يخلق حالة من الإرباك في الجانب الاسرائيلي. ويعتقد زيف أن نصر الله الذي أبقى على كل الاحتمالات مفتوحة، يجب أن تقلق منه إسرائيل جداً، مؤكداً أنه لا يمكن الاطمئنان وإعادة “المدنيين الاسرائيليين” إلى المناطق الحدودية، إلا بعد إبعاد عناصر “حزب الله” من الجنوب اللبناني، وإلغاء التهديدات باحتمال توغل بري لمقاتلي الحزب في الجليل الأعلى.

وفي قراءة لخطاب نصر الله في السياق الاستخباراتي، يرى الرئيس السابق لقسم الاستخبارات في جهاز الموساد زوهر فالتي، أن هناك ميلاً إلى إعطاء أهمية لمصداقية نصر الله “الذي يشن في خطابه حرباً نفسية ضد إسرائيل، وحتى ضد أميركا، وكل من يدعم إسرائيل في الشرق الأوسط”. وأشار فالتي إلى أن نصر الله لم يتخلّ عن “حماس” أو غزة كما يعتقد بعض الاسرائيليين، فهو يتصرف من منطلق مسؤولية تجاه لبنان، ولا يريد تكرار سيناريو حرب 2006، خصوصاً وهو يرى النفوذ الاستراتيجي للولايات المتحدة، وجيشها في الحرب على غزة، حيث يحمّل الأميركيين مع إسرائيل مسؤولية ما يحدث هناك. ويقول مسؤول قسم الاستخبارات السابق، إن نصر الله “يعود إلى مفهوم خيوط العنكبوت، فهو يوضح أن إسرائيل لن تكون لها استمرارية وجودية، ولن تحيا من دون الأميركيين”. ويشير إلى أن هذه التصريحات لنصر الله لم تُقل بالصدفة، بل بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الى إسرائيل.

ويبقى السؤال: بعدما إعتمد السيد حسن نصر الله طيلة شهر عقب عملية “طوافان الأقصى” منهجية “الغموض الاستراتيجي”، هل جاء خطابه ليشكل في مضمونه ما يمكن توصيفه بأنه “الخداع الاستراتيجي” لاسرائيل؟ ربما إطلالة الأمين العام للحزب السبت المقبل، قد تحمل بعضاً من الاجابة عن هذا السؤال، وربما ستزيد من الغموض والخداع الاستراتيجيين.

شارك المقال